للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى لو دخل العسرُ جُحرَ ضبٍّ لدخل عليه اليسرُ فأخرجه، كما قال تعالى: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} (١)، وكما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرًا» ثم قال الشيخ: وتعريف (العسر) في الآيتين يدل على أنه واحد، وتنكير (اليسر) يدل على تكراره فلن يغلب عُسرٌ يسرين، وفي تعريفه بالألف واللام الدال على الاستغراق والعموم، دلالة على أن كلَّ عسرٍ وإن بلغ من الصعوبة ما بلغ، فإنه في آخره التيسيرُ ملازمٌ له (٢).

عبادَ الله: وتمثل الشعراءُ بهذه المعاني القرآنية، وسلوا أنفسهم بالفَرَجِ على إثر الشدائد، وقال ابنُ دريدٍ: أنشدني أبو حاتمٍ السجستاني:

إذا اشتملتْ على اليأسِ القلوبُ ... وضاق لما بِه الصدرُ الرحيبُ

وأوطأت المكارهُ واطمأنت ... وأرستْ في أماكِنها الخُطوبُ

ولم تر لانكشافِ الضرِّ وجهًا ... ولا أغنى بحيلته الأريبُ

أتاك على قنوطٍ منك غوثٌ ... يَمنُّ به اللطيفُ المستجيبُ

وكلُّ الحادثاتِ إذا تناهت ... فموصولٌ بها الفرجُ القريبُ

إخوة الإسلام: ومهما تلاحقت الخطوبُ واشتدت المكاره، وتفنن الأعداءُ في أساليب العداوةِ والبغضاء، فلا يغبْ عن بالكم أن نصرَ الله قريب، وأن كيدَ الشيطان ضعيف، وأن الغلبة في النهاية للحق وأهله: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} (٣).

إن الشدةَ تخفي وراءها فرجًا بإذن الله، والمكروه يحمل الخير القادم بإذن الله، وإن الدلائل والبشائر - من نصوص الكتاب والسنة، ومن واقع الحضارات


(١) سورة الطلاق، الآية: ٧.
(٢) تفسير كلام المنان: ٧/ ٦٤٦.
(٣) سورة الرعد، الآية: ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>