عبادَ الله: ونستطيع وصفَ هذه العولمةِ الجديدة بأنها غربيةُ الولادة، غربيةُ الفكرِ والهوية، ولم يبعد عن الحقيقة من قال: إن العولمة باختصار هي: تنميطُ العالم وترويضُه على الحياة الغربية، بقيمهِ وأنظمته ونظرته للحياة.
وهي لونٌ جديد من ألوان الهيمنةِ والاستعمارِ للعالم، لا تُتخذُ لها الجيوشُ وسيلةً، وإنما تتخذُ الفِكْرَ والثقافةَ وسيلةً للتذويبِ والتبعية، والاقتصادَ أداةً للضغط والتطويع.
أيها المسلمون: والعولمةُ نظامٌ يدور في إطار العلمانية الشاملة، ولا يقيم وزنًا للقيمِ والأخلاق، ولا أثرَ فيه للرسالات السماوية، ولا مكان فيها، أو تقديرٌ للضعفاء والأقليات.
إنها العولمة الغازية، ظاهرةٌ تتداخل فيها أمورُ السياسةِ والاقتصاد، والثقافةِ والاجتماع، والسلوك، وتحدث فيها تحولاتٌ على مختلفِ الصور، تؤثرُ في النهاية على سلوكِ الإنسان، ونمطِ حياتِه على كوكب الأرض التي تصل إليها.
بل هي كما قيل: عصا استعماريةٌ جديدةٌ بحكومةٍ عالميةٍ خفية لها مؤسساتُها: البنكُ الدولي، وصندوق النقدِ الدولي، ولها أدواتُها: منظمةُ الجات، والسبعةُ الكبار.
إن العولمةَ الغازية تسير إلى تحقيق هدفٍ غير نزيه، ولئن كانت لا تؤمن بالتعددية والتنوع، ولو كان صالحًا فهي ترتكزُ على الانحياز إذ هو فكرتُها الأولى، ومحركُها الأساس، وتنطلقُ من تعظيم الذات، والتعصبِ الممقوت، وبالطبع الذات الغربية والقيم الفاسدة، وفيها تجاهلٌ بل تحطيم للآخرين، وفي العولمة إلغاء للحدود والفوارق الجغرافية، والمسلمات التاريخية (١).
(١) د. فهد العرابي الحارثي، مقال عن العولمة في الجزيرة: ١٨/ ٨/ ١٤١٩ هـ.