آثارها وأساليبها عن عولمتهم، ودعونا نعقد مقارنةً سريعةً بين عالميتنا وعولمتهم، فعالميتُنا عدلٌ ورخاء، وعولمتُهم جورٌ وشقاء، عالميتُنا يستخرج بها الناسُ من ذلِّ العبودية وإزهاق الكرامة، وعولمتهم تكريسٌ للذل والتبعية، وسحق للحرية والكرامة، عالميتُنا طُهرٌ وعفاف، وعولمتهم عُهرٌ وشذوذ وانحراف، وسل مؤتمر بكين للمرأة ينيبك الخبر اليقين، عالميتُنا شورى وإقناع، وعولمتُهم استبداد وإكراه، عالميتنا تعمير للكون وتسبيح بآلاء الله، وعولمتُهم تدميرٌ للحرث والنسل، وفي مؤتمر الإسكان الدولي شاهدٌ لما نقول، عالميتُنا سَعُد بها المسلمون وغير المسلمين، واستظل بظلالها الوارفة القريبُ والبعيد، وعولمتهم لم تستطع أن تحقق الرخاءَ للقريب فضلًا عن البعيد، وقامت صيحاتُ المعارضة ضدها من داخل الأرض التي نبتت فيها، وأنَّى لها أن تحقق الخيرَ والسعادةَ للآخرين، عالميتنا رحمةٌ للعالمين، وعولمتهم نكدٌ وعذابٌ وظلمٌ واستبداد، عالمتُنا لا تسأل الناس أجرًا على البلاغ والهدى، وعولمتُهم نهبٌ للموجود وتعسفٌ على الفقير، ومن ملامحها كما يُقال إنها ستفقرُ الدول النامية وستزيد الدول الغنية غنى ... عولمتهم تتجاهل رسالة السماء المحفوظة، وعالميتُنا تتعامل بالعدل مع أصحابِ الأديانِ ولو كانت محرفة، وتنظّم حقوقًا خاصةً بأهل الذمة، عولمتهم قائمةٌ على الانحياز والتعصب إن شئتَ في الاقتصاد أو السياسة أو الأخلاق والفكر والقيم، لا يُقال هذا عاطفةً، بل يؤكده الواقعُ المشاهد، فأيُّ نوع تمارسه هذه العولمةُ في الاقتصاد؟ إنه الاقتصادُ الحرُّ من كلِّ قيود، القائمُ على الربا والاحتكار والجشع والطمع بكل وسيلة، وإن بلغت مبلغًا من الذكاء والتقنية والتخطيط.
وأي نوع تمارسه هذه العولمةُ وأربابُها في السياسة؟ تجيبك المآسي القائمةُ للمسلمين في أرض الشيشان حاضرًا، ومن قبل في البوسنة والهرسك وكوسوفا، وفلسطين وغيرها، فأينَ السلامُ المنشود؟