للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن عددًا من المسلمينَ قد لا يعلمونَ هذه الأشهرَ الحُرمَ، وعددًا آخر قد يعلمونها ولكن لا يُعظمونها كما أمرَ اللهُ، ولقد كانت العربُ في جاهليتها تُعظمُ هذه الأشهرَ الحُرمَ؛ فلا تسفكُ فيها دمًا ولا تأخذُ فيها بثأرٍ .. وإن كانت تتحايلُ أحيانًا فتُنْسِئ الأشهرَ، وتجعلُ من الشهرِ الحرامِ حلالًا والعكس.

وجاء الإسلامُ ليؤكدَ حُرمةَ الأشهرِ الحرمِ، وينهى عن التلاعبِ فيها تقديمًا أو تأخيرًا.

ووقفَ رسولُ الهدى صلى الله عليه وسلم بمكةَ خطيبًا في حجة الوداع ليؤكد حُرمةَ الزمانِ وحُرمةَ المكان، وحرمةَ الدماءِ والأموالِ والأعراضِ ويقول: «إنَّ دماءكُم وأموالَكُم وأعراضَكُم عليكم حرامٌ كحرمةِ يومِكُم هذا، في شهرِكُم هذا، في بلدِكُم هذا، وستلقونَ ربَّكُم فيسألُكم عن أعمالِكُم، ألا لا ترجعوا بعدي ضُلالًا يضربُ بعضُكم رقابَ بعضٍ، ألا هل بلغتُ؟ ألا ليبلِّغ الشاهدُ الغائبَ منكم، فلعلّ مَنْ يبْلُغه يكونُ أوعى له من بعضِ من يسمعه» (١).

أيّها المسلمونَ: إن تعظيمَ شعائر اللهِ .. وتقديرَ ما حرّمَ اللهُ من تقوى القلوبِ: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (٢).

وإذا كان المسلمُ مطالبًا على الدوامِ بتعظيمِ حرماتِ اللهِ، فإن مطالبَته بذلك في الأشهرِ الحُرمِ آكدُ، ولذا قال تعالى: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} (٣)، أي في هذه الأشهرِ الحرمِ، لأنه آكدُ وأبلغُ في الإثمِ من غيرِها.

ويُروى عن ابن عباس رضي الله عنهما: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} أي: في الأشهرِ كلِّها، ثم اختَصَّ من بين ذلك أربعةَ أشهرِ فجعلهنَّ حرامًا وعظَّمَ حُرماتِهن،


(١) رواه أحمد والبخاري ومسلم.
(٢) سورة الحج، الآية: ٣٢.
(٣) سورة التوبة، الآية: ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>