للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} (١).

ويقول جلّ ذكرهُ: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} (٢).

وهكذا يتضحُ أن حاجةَ الناسِ للأمنِ لا تقلُّ عن حاجتِهم للطعامِ، ولذا قيل: «الأمنُ أهنأُ عيشٍ، والعدلُ أقوى جيشٍ».

وإذا تنافستِ الدولُ مسلمُها وكافرُها، قديمُها وحديثُها في رعايةِ الأمنِ وتوفيرِه لرعاياها، كان للإسلامِ - بحقّ - قَصَبُ السبقِ في توفيرِ الأمن، عبرَ ضوابطَ وحدود، وأخلاقٍ وآدابٍ، وحقوقٍ وواجباتٍ على الفردِ والمجتمعِ، لا يتوفرُ مثلُها أو قريبٌ منها في غيرِه، وكانَ للمسلمينَ - كذلك - ميزةٌ على غيرهم في توفيرِ الأمنِ بطواعيةٍ واختيار .. إذ كلُّهم بوازعِ الدينِ والرقابةِ الداخلية والقيامِ بِشعيرةِ الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكر، يُشكّلونَ أنفسَهُم حُماةً للأمنِ يردعونَ الجُناةَ، ويكشفونَ أوكارَ الفسادِ، وينشرونَ المعروفَ، ويساهمونَ جميعًا في حراسةِ الفضيلةِ .. وتلك أيضًا لا تتوفرُ لغيرِهِم من الشُّعوبِ من أبناءِ المِللِ الأخرى.

أيّها المسلمون: وما فئتتِ الدولُ المتقدمةُ تُطالبُ بحقوقِ الإنسان .. وهي نفسُها التي تُهلكُ الإنسانَ وتُؤذِي كرامتَه، وما فئتت هذه الدولُ تبحثُ عن ضماناتٍ تحفظُ الأخلاقَ، وتُصانُ بها الحقوقُ .. وهي بواقِعِها ووسائِلِها تُدمّرُ الأخلاقَ وتسحقُ الحقوق.


(١) سورة قريش، الآيتين: ٣، ٤.
(٢) سورة النحل، الآية: ١١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>