للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما نحنُ، معاشرَ المسلمينَ، فحقوقُنا محفوظةٌ، وآدميتُنا مكرّمةٌ، وأخلاقُنا الإسلاميةُ سياجٌ للكرامةِ والفضيلة .. وحدودُنا الإسلاميةُ مكفراتٌ ومطهراتٌ للجُناة، بل وفي قِصاصِنا حياةٌ - كما أخبر العليمُ القدير - حتى وإن اتهَمَنا الآخرونَ وشنُّوا حملاتِهم الظالمةَ على تنفيذِ أحكامِ اللهِ وحدودِه، وهم حينَ عجزوا عن الوصولِ إلى تطبيقِ هذه الأحكامِ، وأفلتَ المجرمونَ من أيديهِم، وتوسّعَ الخَرْقُ على الراقع، أرادوا أن يحسدُونا ويشوّهوا صورتَنا؛ لنرتكسَ في حَمَأَةِ الرذيلةِ التي ارتكسوا فيها .. ولتعودَ حياتُنا بهيميّةً كحياتِهم، ويأبى اللهُ ذلك والمؤمنون.

إن البعضَ قد ينخدعُ بهذه الصيحاتِ الفاجرةِ، فيستصعبُ قتلَ القاتلِ أو رجمَ الزاني، أو قطعَ يدِ السارق - أو نحوها من الحدودِ، وينسى رحمةَ اللهِ بعبادِه عمومًا في تقريرِ هذه الأحكام، وما لها من آثارٍ في تقليلِ الجرائمِ والحدِّ من عنفوانِ المجرمين، وحماية المجتمع كلِّه من الفسادِ والمفسدين.

يقولُ ابن تيميةَ رحمَهُ اللهُ: العقوباتُ الشرعيةُ كلُّها أدويةٌ نافعةٌ، يُصلحُ اللهُ بها مرضَ القلوبِ، وهي من رحمةِ اللهِ بعبادِهِ، ورأفتِه بهم الداخلةِ في قولِه تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (١).

فمن تركَ هذه الرحمةَ النافعةَ لرأفةٍ يجدُها بالمريض، فهو الذي أعانَ على عذابِه وهلاكِه، وإن كان لا يريدُ إلا الخيرَ؛ إذْ هو في ذلك جاهلٌ أحمقُ، كما يفعل بعضُ النساءِ والرجالِ بمرضاهم أو بمن يربُّونَهُم من أولادِهم وغلمانِهم في تركِ تأديبهم وعقوبَتِهم، على ما يأتونَه من الشرّ ويتركونه من الخيرِ رأفةً بهم، فيكونُ ذلك سبَبَ فسادِهم وعدوانِهم وهلاكهم (٢).


(١) سورة الأنبياء، الآية: ١٠٧.
(٢) الفتاوى ١٥/ ٢٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>