للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحجةِ أن هذه ليست من وظيفِتنا، علمًا بأن الفسادَ إذا وقعَ فلن نسلمَ من آثارِه جميعًا، والمجرمونَ إذا تجاوزونا إلى غيرنا حينًا .. فقد يتجاوزونَ غيرَنا ويصلونَ إلينا حينًا أخرى، والله تعالى أمرَنا بالتعاونِ على البِرِّ والتقوى، ونهانا عن التعاونِ على الإثمِ والعُدوان، ورسولُنا صلى الله عليه وسلم أخبرنا أننا إذا رأينا الظالمَ ثم لم نأخذْ على يديه أوشكَ اللهُ أن يعُمّنا بعقابٍ من عندِه.

وعلينا جميعًا أن نتفطنَ ولا ننخدعَ بمن يُظهرونَ الخيرَ والنزاهةَ، ويبطنونَ الشرَّ ويتلبّسونَ سِرًّا بالجرائم، وإذا وُجِدَ مثلُ هؤلاءِ المخادعينَ في عصورِ الراشدين، فما الظن بغيرِهم، ودونكم هذه الحادثةَ فتأمَّلُوها.

أخرجَ الإمامُ مالك في «موطأه» أن رجلًا من أهلِ اليمنِ أقطعَ اليدِ والرِّجلِ قدمَ المدينةَ، فنزلَ على أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه، فشكى إليه أن عاملَ اليمن قد ظلمَه، فكانَ يُصلّي من الليل، فيقول أبو بكر: وأبيكَ ما ليلُكَ بليلِ سارقٍ، ثم إنهم فقدوا عِقدًا لأسماءَ بنتِ عميس - امرأةِ أبي بكرٍ الصديقِ - فجعلَ الرجلُ يطوفُ معهم ويقولُ: اللهمَّ عليكَ بمن بيّتَ أهلَ هذا البيتِ الصالح. فوجدوا الحُلِيَّ عند صائغٍ زعمَ أن الأقطعَ جاءَ به، فاعترفَ به الأقطعُ أو شُهِدَ عليه بهِ، فأمرَ به أبو بكرٍ فقُطعتْ يدُه اليُسرى، وقال أبو بكر: واللهِ لدعاؤهُ على نفسِه أشدّ عندي عليه من سرقتِه (١).

أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيم {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (٢).


(١) الموطأ مع شرح الزرقاني، كتاب الحدود: ٤/ ١٥٩.
(٢) سورة الأنعام، الآية: ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>