والأمن الخُلُقي والقِيَمي، والأمنُ الجنائي، والأمنُ الصحيُّ والغذائي، حين يُخلِصُ الأطباءُ وتتوفرُ الأجهزةُ والأدويةُ، حين لا يغشُّ المزارعونَ، ولا يحتكرُ البائعون، أجل إننا حين نغفلُ عن انتشارِ الأفكارِ الرديئةِ، ثم تتسللُ إلى عقولِ أبنائِنا وبناتِنا تحدثُ فيها جنوحًا نحوَ الجريمةِ، وتُسَهّلُ عليهم اقترافَها .. وكم تفعلُ القصةُ الهابطة، أو الروايةُ ذاتُ الفصولِ السيئة، أو الكِتابُ المنحرفُ، أو المقالةُ الداعيةُ للفجورِ، كم تفعلُ هذه وتلك من فعلٍ في العقولِ، وكم تُنشئُ من سلوكياتٍ محذورةٍ شاذةٍ، بها يهتزّ الأمنُ وتكونُ الجريمة.
وحينَ نتسامحُ في زمالةِ الأديان، ونرضى أن يزاحم دينَ الإسلامِ الحقَّ أديانٌ محرّفةٌ، ونِحَلٌ فاسدةٌ، فلا شكّ بأثرِ ذلك على الأمنِ العقديِّ؛ إذ يُحدثُ هؤلاءِ من الجرائمِ ما هو مسموحٌ لهم في أديانهم، وليسَ كذلك في دينِنَا، بل ربما فَتنوا العامةَ بشعائرهِم وطقوسِهِم، فَخلّفَ أثرَه على الأمن، ولا شكّ أن العقائدَ المنحرفةَ، والتصوراتِ الفاسدةَ تقودُ إلى سلوكياتٍ منحرفة تُخِلُّ بالأمن.
أما الأمنُ الخُلقيُّ والقِيَمي فيكونُ برعايةِ الأخلاقِ الفاضلةِ، وحمايةِ القيمِ الإسلاميةِ من التلوثِ والانحدار، ويوم لا يكونُ قيمةٌ للخُلُقِ ولا رعايةٌ للقيم، يومَها تتحولُ الحياةُ إلى مسرحٍ للفوضى؛ يأكلُ القويُّ الضعيفَ، وحينها ينفرطُ عقدُ الأمنِ، وتشيعُ الفاحشةُ، ويكثرُ المجرمون، وتتوارى الفضيلةُ والفضلاءُ.
أما الأمنُ الجنائيُّ فيتحققُ يومَ لا يُسمحُ للسارقِ بأخذِ حقِّ غيرِه، ولا لصاحبِ المُسْكرِ أو المُخدّرِ أن يُحدِثَ الضررَ بنفسِه أو بمن حوله، ولا للأحمقِ والأهوجِ أن يقتلَ أو يضربَ من اختلفَ أو تنازعَ معَه، ولا لأصحابِ الشهواتِ أن يقضوا وَطَرَهُم فيما حرّم اللهُ عليهم، أو يُمكَّنُ الأحداثُ من قيادةِ السياراتِ دون استشعارٍ للمسئوليةِ؛ فيُهلِكوا أَنْفسهم وغيرَهم، أو نحو ذلك من ممارساتٍ أو اغتصابٍ تُحدثُ فجوةً في الأمنِ لا تُحمدُ عُقباه.