وقاربٌ من قواربِ النّجاةِ بإذن اللهِ .. عن حذيفةَ رضيَ اللهُ عنه قال: كان الناسُ يسألونَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الخيرِ، وكنتُ أسألُه عن الشرِّ مخافةَ أن يُدرِكَني، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنّا كنّا في جاهليةٍ وشرٍّ، فجاءنا اللهُ بهذا الخيرِ، فهل بعد هذا الخيرِ من شرٍّ؟ قال:«نَعَم». قلتُ: وهل بعد ذلك الشرّ من خيرٍ؟ قال:«نعم، وفيه دَخَنٌ» - أي كَدَرٌ - قلتُ: وما دَخَنَهُ؟ قال:«قومٌ يَهْدُونَ يغير هَدْيِي؛ تَعرفُ منهم وتُنكِرُ». قلت: فهل بعد ذلك الخيرِ من شرّ؟ قال:«نعم، دُعاةٌ على أبوابِ جهنّمَ، مَن أجابَهم إليها قَذَفوه فيها». قلتُ: يا رسولَ الله، صِفْهُم لنا، قال:«هُم من جِلْدَتِنا؛ ويتكلّمون بألسِنتنا». قلتُ: فما تأَمُرُني إنْ أدرَكَني ذلك؟ قال:«تلزمُ جماعةَ المسلمين وإمامَهُم». قلتُ: فإن لم يكن لهم جماعةٌ ولا إمام؟ قال: فاعتزِلْ تلكَ الفرق كلَّها، ولو أنْ تَعَضَّ بأصلِ شجرةٍ حتى يُدْرِكَكَ الموتُ وأنتَ على ذلك» (١).
رضيَ اللهُ عنك يا حذيفةُ وأنتَ الرجلُ الحَصيفُ، وما زلتَ تستخبرُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الفتنِ، وتسألُ عن ملامِحِها وهويّةِ أصحابِهَا، حتى كشفَ الرّسولُ صلى الله عليه وسلم لك وللأُمة من وَرائكَ الأمرَ، وأَرشدَ إلى المَخْرج .. فهؤلاء الدُّعاةَ إلى الباطل ليسوا يهودًا ولا نصارى ولا أعاجم، بل هم من جِلْدَتنا ويتكلّمون بألسنتنا، وما أخطرَ الغَزوَ إذا كان من الداخل .. والمَخرجُ بلزوم جماعةِ المسلمين وإمامِهم، وأن يحرصَ المسلمُ على أن يكونَ من الطائفةِ المنصورةِ، فأولئك لا تضرُّهم الفتنُ حتى يَلْقَوا ربَّهم وهو راضٍ عنهم، وأولئك هم الغرباءُ الذين يَصْلحون إذا فسدَ الناسُ، أو يُصلِحون ما أفسدَ الناسُ، وأولئك قال عنهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لا تزالُ طائفةٌ من أُمتي يُقاتِلونَ على الحقِّ، ظاهرينَ على من نَاوأَهُم