للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقلتُ: أنا، قال: للهِ أبوكَ. ثم قال حذيفةُ: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «تُعرَضُ الفِتنُ على القلوبِ كالحصيرِ عُودًا عُودًا - أي كما يُنسجُ الحصيرُ عودًا عودًا - فأيُّ قلبٍ أُشْرِبَها نُكِتَ فيه نُكتةٌ سوداءُ، وأيُّ قلبٍ أنكَرَها نُكِتَ فيه نُكتةٌ بيضاءُ، حتى تصيرَ على قلبينِ: على أبيضَ مثلِ الصَّفا فلا تضرُّه فتنةٌ ما دامتِ السماواتُ والأرضُ، والآخرَ أسودُ مُرْبادًّا - أي بياضٌ يسيرٌ فيه سواد - كالكوزِ مُجَخِّيًا - أي مَنكوسًا - لا يعرفُ معروفًا ولا يُنكِرُ منكرًا، إلا ما أُشرِبَ من هَواهُ» (١).

٣ - الحذرُ من السير في رِكاب المنكَر، والسلامةُ إنما تكونُ في الإنكارِ، روى مسلمٌ في «صحيحه» عن أمِّ سلمةَ رضيَ اللهُ عنها: أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «ستكونُ أمراءُ فتعرفونَ وتُنكِرونَ، فمن عَرَفَ فقد بَرِئَ، ومن أنكرَ سَلِمَ، ولكنْ مَنْ رضيَ وتابَعَ». قالوا: أفلا نُقاتِلُهم؟ قال: «لا، ما صَلَّوا» (٢).

قال النوويّ - في شرحه للحديث - قوله: «مَنْ عرفَ فقد بَرئَ» معناه: من عرف المنكرَ ولم يَشتبه عليه فقد صارت له طريقٌ إلى البراءةِ مِنْ إثمِهِ وعقوبتهِ؛ بأنْ يُغيّرَه بيديهِ أو بلسانِه، فإن عَجَزَ فليكرهْه بقلبهِ. وقوله: «ولكن من رضيَ وتابع». أي: ولكن العقوبةَ والإثمَ على من رضي وتابع (٣).

فهل نحذر من المنكراتِ - وما أكثرَها - بما نستطيعُ من درجات الإنكارِ .. ففي ذلك سلامةٌ لنا أولًا، قبل سلامةِ الواقعين في المنكرِ، ومن تهاونَ أو قصّر فلا يلومَنّ إلا نفسَه!

٤ - السيرُ في رِكابِ جماعةِ المسلمين وإمامِهم .. فذلك مَخْرَجٌ من الفتن،


(١) رواه مسلم (١٤٤)، وأحمد ٥/ ٣٨٦، ٤٠٥، والبخاري شطره الأول ٥٢٥.
(٢) رواه مسلم برقم (١٨٥٤)، وأبو داود برقم (٤٧٦٠).
(٣) صحيح مسلم بشرح النووي للحديث السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>