للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في قوله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} (١).

الفائدةُ الخامسة: من قواطعِ سيرِ المرءِ عن الآخرةِ تعلُّقُه بالمألوفِ من ملاذِّ الدُّنيا، وقد يخيلُ الشيطانُ للإنسانِ بصعوبةِ تركِ المألوفِ، وإنما يجدُ المشقةَ في تركِ المألوفاتِ والعوائدِ من تركها لغيرِ اللهِ، أما مَنْ تركَها صادقًا مخلصًا في قلبهِ لله، فإنه لا يجدُ في تركِها مشقةً إلا في أوّلِ وهلةٍ ليُمتَحنَ أصادقٌ هو في تركِها أم كاذبٌ، فإنْ صبرَ على تلك المشقةِ قليلًا استحالتْ لذةً.

وهذه الفائدةُ تشجعُ المبتَلينَ على تركِ ما ابتُلوا من أمورٍ محرَّمةٍ.

الفائدةُ السادسة: قال بعضُ الزُّهادِ: ما علمتُ أن أحدًا سمعَ بالجنةِ والنارِ، تأتي عليه ساعةٌ لا يطيعُ اللهَ فيها بذكرٍ أو صلاةٍ أو قراءةٍ، أو إحسانٍ، فقالَ له الرجلُ: إنِي أُكثرُ البكاءَ، فقال: إنك إن تضحكْ وأنت مُقرٌّ بخطيئتكَ، خيرٌ من أن تبكي وأنت مُدِلٌّ على الله بعملِكَ .. ثم قال الرجلُ للزاهد: أوصني، فقال: دَعِ الدُّنيا لأهلِها كما تركوا همُ الآخرةَ لأهلِهَا، وكن في الدُّنيا كالنحلةِ؛ إنْ أكلتْ أكلت طيبًا، وإن أطعمتْ أطعمتْ طيبًا، وإنْ سقطتْ على شيءٍ لم تكسِرْهُ ولم تخدِشْهُ.

الفائدةُ السابعة: في ظلال قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (٢).

ففي هذه الآية عِدّةُ أسرارٍ وحِكمٍ ومصالحَ للعبدِ؛ فإن العبدَ إذا علمَ أن المكروهَ قد يأتي بالمحبوبِ، والمحبوبُ قد يأتي بالمكروهِ، لم يأمن أن توافيه المضرةُ من جانب المَسرّةِ، ولم ييأس أن تأتَيه المسرةُ من جانب المضرَّةِ، لعدم


(١) سورة الفرقان، الآية: ٣٠.
(٢) سورة البقرة، الآية: ٢١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>