أرصدتُهم للآخرةِ، وتُبنى لهم القصورُ والغُرفاتُ وتُزيَّنُ لهم الجنانُ الباقياتُ وهم بعدُ في الدنيا.
وبإزاءِ هؤلاءِ صنفٌ يأكلونَ ويشربونَ ويتمتعونَ في الدنيا وكأنّها نهايةُ المطاف .. فلا هِمّةَ لهم في المسارعةِ، ولا شعورَ عندَهم بفرصِ الطاعة، شَغَلَهم التنافسُ في الدنيا عن التنافسِ في الآخرة، وحجبتهم المعاصي عن أنوارِ الإيمان، أولئكَ تبدأُ المواسمُ وتنتهي وكأنها لا تعنيهم، وإن مارسوها أحيانًا فمِن بابِ تقليدِ الآخرينَ أو مجاملتِهم.
إنها القلوبُ الغافلةُ .. والأرواحُ المُصابةُ، والهممُ الدنيّةُ، ها نحن في أحدِ أشهرِ الحجِّ كم تثيرُ فينا ذكرياتُ الحجِّ من معانٍ وأحاسيسَ .. وهناك تُسكبُ العبراتُ ويتوجَّه المذنبونَ إلى الغفّار، فلا يَدَع للأوابينَ المخلصينَ من ذنبٍ إلا غفرَه - ويعودُ الحاجّ بالحجّ المبرورِ، وكأنّما ولدَتْهُ أُمّه .. بل ويعودُ الحاجُّ الموفقُ بالحجّ المبرورِ وليس له جزاءٌ إلا الجنةُ، كم تتطلعُ النفوسُ المذنبةُ إلى المغفرة، وكم هو عظيمٌ الجزاءُ حين يكون الجنةَ، أين الشاردون؟ أين السادرون؟ أين المسرفون؟ بل وأين المؤمنونَ من فضلِ اللهِ ورحمتهِ؟
إن طوفانَ الحياةِ الماديةِ يكادُ يُغرقُنَا .. أفلا ننجو من الغرقِ وسفينةُ الحجّ تنتظرنا؟ وإن رائحةَ الذنوبِ والمعاصي تكادُ لهولِها تزكُمُ أُنوفَنَا - أفلا نتطهّرُ منها ونتزينُ ونتعطرُ بلباسِ التقوى، وثيابِ الإحرامِ، فهي داعيةٌ للتجردِ والعبوديةِ، وهي وسيلةٌ للتطهيرِ والتقوى!