اعتباراتهِ؛ ليتساوى في مناسكِ الحجّ ومواقفهِ الشريفُ والوَضيعُ، والغنيُّ والفقيرُ، والأميرُ والمأمورُ، والذكرُ والأنثى .. لا فرقَ إلا بالتقوى .. وكذلك يكونُ الموقفُ في عَرَصاتِ القيامةِ للحسابِ .. وكذلك كان يَفهم السلفُ الصالحُ حقيقةَ الحجِّ ومعناه، ويتذكرونَ به مشاهدَ القيامةِ وموازينَها وقيمَها .. وبمعاني الإيمانِ والتقوى يتفاضلُ الناسُ ..
وسأسوقُ لكم نموذجًا من إيمانيات الحُجاج، كشفَها الفاروقُ عمرُ في خلافِته، وكشف معها نبوءةً للنبيِّ صلى الله عليه وسلم حين أخبر عن سيدِ التابعين.
وتأملوا في رجلٍ أثنى عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم ولم يرَه، وطلب ممَّن أدركه أن يطلبَ الاستغفارَ والدعاءَ منه، وإن كان هذا الرجلُ خاملَ الذِّكر .. مُقتَصِدَ المَلبس، حقيرًا في أعينِ أهلِ الدُّنيا، أجل لقد حجَّ عُمر رضي الله عنه بالناسِ سنةَ ثلاثٍ وعشرين - قبيلَ استشهادِه بأيام، وكان شغلُه البحثَ عن سيدِ التابعين أويسٍ القَرَنيِّ، ذاك الرجلُ الذي صعدَ عمرُ لأجله جَبلَ أبي قبيسٍ وأطلّ على الحجيج ونادى بأعلى صوتهِ: يا أهلَ الحجيجِ من أهلِ اليمنِ، أفيكم أويسٌ من مُراد؟ فقام شيخٌ طويلُ اللحيةِ من قَرَنٍ، فقال: يا أميرَ المؤمنين، إنك قد أكثرتَ السؤالَ عن أويسٍ هذا، وما فينا أحدٌ اسمُه أويسٌ إلا ابنُ أخٍ لي يُقالُ له أويسٌ، وأنا عمُّه وهو حقيرٌ في أظهرِنا، خاملُ الذِّكرِ، وأقلُّ مالًا، وأوهنُ أمرًا من أن يُرفعَ إليك ذِكْرُه، فسكتَ عمرُ - كأنه لا يريده - ثم قال: يا شيخُ، وأينَ ابنُ أخيكَ هذا الذي تزعمُ؟ أهو معنا في الحَرَم؟ قال الشيخ: نعم يا أميرَ المؤمنينَ، هو في الحرم غيرَ أنه في أراكِ عَرفةَ يرعى إبلًا لنا، فركبَ عمرُ وعليّ بنُ أبي طالبٍ رضي اللهُ عنهما، وأسرَعا إلى أراكِ عَرفةَ، ثم جعلا يتخللانِ الشجرَ، ويطلبانِ أُويسًا، فإذا هما به في طِمرينِ من صوفٍ أبيضَ، قد صفّ قدمَيْهِ يصلي إلى الشجرة، وقد رمى ببصرِه إلى موضعِ سجودهِ، وألقى يديهِ على صدرِه، والإبلُ حولَه ترعى، قال