عمرُ لعليٍّ: يا أبا الحسنِ، إن كان في الدنيا أويسٌ القرني فهذا هو، وهذه صفتُه، ثم نزلا عن حماريهما وأقبلا يُريدانِه، فلما سمعَ أويسٌ حِسَّهما أوجزَ في صلاتِه ثم تشهَّدَ وسلّم، وتقدَّما إليه وسلَّما ثم ردّ السلامَ عليهما، فقال له عمرُ: مَنِ الرجلُ؟ قال: راعي إبلٍ وأجيرٌ للقوم، قال عمر: ليس عن الرعايةِ أَسألُكَ ولا عن الإجارةِ، إنما أسألُكَ عن اسمِك، فمَن أنتَ يرحمُكَ اللهُ؟ فقال: أنا عبدُ اللهِ وابنُ أَمَتِه،
فقالا: قد علمنا أن كلَّ من في السماواتِ والأرضِ عبيدُ اللهِ، وإنا لنقسمُ عليكَ ألا أخبرتَنا باسمِكَ الذي سمَّتكَ به أمُّك، قال: يا هذان، ما تريدانِ إليَّ؟ أنا أويسُ بنُ عبدِ الله، فقال عمر: اللهُ أكبر، أوضحْ لنا عن شِقّكَ الأيسرِ. قال: وما حاجتكُما إلى ذلك؟ فقالَ له عليٌّ رضي اللهُ عنه: إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وصفَكَ لنا، وقد وجدنا الصفةَ كما أخبَرَنا، ونريد أن نعلمَ اللّمْعَةَ البيضَاءَ بمقدار الدِّينار أو الدِّرهمِ، فلما نظرَ عمرُ وعليٌّ إلى شِقِّه الأيسرِ، وبه اللمعةُ البيضاءُ ابتدرا أيهما يُقبّلُ قبلَ صاحِبِه، وقالا: يا أويسُ إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أمرَنا أن نقرئَكَ منه السلامَ، وأمرنا أن نسأَلكَ أن تستغفرَ لنا، فإن رأيتَ أن تستغفرَ لنا يرحمُكَ اللهُ، فقد خُبِّرنا بأنك سيدُ التابعين وأنكَ تشفعُ يومَ القيامةِ في عددِ ربيعةَ ومُضرَ، فَبَكى أويسٌ بكاءً شديدًا، ثم قال: عسى أن يكونَ ذلك غيري، قالا: بل أنتَ، فادعُ لنا، قال أويسٌ: ما أخصُّ باستغفاري نفسي ولا أحدًا من ولدِ آدمَ، ولكن في البرّ والبحرِ، للمؤمنينَ والمؤمناتِ، والمسلمينَ والمسلماتِ في ظُلمِ الليلِ وضياءِ النهارِ، ولكن من أنتما يرحمُكُما اللهُ، فإني قد خّبرتُكما وشهرتُ لكما أمري، ولم أحب أن يعلَمَ بمكاني أحدٌ من الناس؟ فقال عليٌّ: أما هذا فأميرُ المؤمنينَ عمرُ، وأما أنا فعليُّ بنُ أبي طالب، فوثبَ أويسٌ فرحًا مستبشِرًا فعانَقهُما وسلّم ورحَّبَ بهما وقال: جزاكم اللهُ عن هذه الأمةِ خيرًا، ودعا لهما، ثم قالَ عمر: مكانكَ رحمكَ اللهُ حتى أدخلَ مكةَ فآتيكَ بنفقةٍ من عطائي وفَضْلِ