للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كسوةٍ من ثيابي، فإني أراكَ رثَّ الحال، وهذا المكانُ ميعادُ بيني وبينك غدًا، فقال أويسٌ: يا أميرَ المؤمنين لا ميعاد بيني وبينك ولا أعرفكَ بعدَ اليومِ ولا تعرفني، ما أصنعُ بالنفقة؟ وما أصنعُ بالكسوةِ؟ أما ترى عليّ إزارًا من صوفٍ

ورداءً من صوف، متى تراني أُخْلِقهُما .. ومعي أربعةُ دراهم أخذتُها من رعايتي متى تُراني آكلُها؟ يا أميرَ المؤمنين، إن بيني يديّ عقبةً لا يقطعها إلا كلُّ مُخفٍّ مهزولٍ، فأخفَّ يرحمُك اللهُ .. إن الدنيا غرّارةٌ غَدّارةٌ، زائلةٌ فانية، فمن أمسى وهمتُه فيها اليومَ مدّ عُنقَه إلى غدٍ، ومن مدّ عنقَه إلى غدٍ أعلقَ قلبَه بالجمعة، ومن أعلق قلبَه بالجمعة لم ييأس من الشهرِ، ويوشكُ أن يطلبَ السنةَ، وأجلُه أقربُ إليه من أملِه، ومن رفضَ هذه الدنيا أدركَ ما يريدُ غدًا من مجاورةِ الجبار، وجرت من تحتِ منازِله الثمارُ، فلما سمعَ عمرُ كلامَه ضربَ بدِرّتِهِ الأرضَ ثم نادى بأعلى صوتِه: ألا ليتَ عمرُ لم تلدْه أمُّه، ليتها عاقرًا لم تعالجْ حملَها، ألا من يأخُذُها بما فيها ولها.

ثم قال أويسٌ: يا أميرَ المؤمنينَ، خُذْ أنتَ هاهنا، حتى آخذَ أنا هاهنا، ومضى أويسٌ يسوقُ الإبلَ بين يديه، وعمرُ وعليٌّ ينظران إليه حتى غابَ فلم يَروه.

وهكذا إخوة الإيمان تكونُ المعاني والقِيمُ، ويوزنُ الرجالُ، ولمثلِ أولئكَ الرجالِ قال عليه الصلاةُ والسلام: «إن خيرَ التابعينَ رجلٌ يقالُ له أويسٌ، وله والدة وكان به بياضٌ، فمُروه فليستغفرْ لكم» (١).

أيّها المسلمونَ: ومن زلزلةِ الساعةِ وأهوالِ يومِ القيامة - إلى ذكر الجهادِ والقتال في سورة الحج؛ حيث تتوسطُ آياتُ الحجّ بينهما: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ


(١) رواه مسلم من حديث عمر رضي الله عنه برقم (٢٥٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>