للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبادَ الله: في تاريخ الأممِ كلِّها عظماءُ يُقَدّرهم الناسُ حقَّ قَدْرهم، ويَرَون لهم فضلًا على غيرهم، وإذا تفاوتت خِصال العَظَمة بين الشجاعةِ والكرمِ، وبين قوةِ الأجسام أو عظمةِ العقولِ، أو نحوِها من صفاتٍ يَبرزُ بها العظماءُ .. فإن للعظمةِ المرتبطةِ بوحي السماء شأنًا آخرَ .. فكيف إذا كان هذا النوعُ من العظماءِ يجمع صفاتِ العظمةِ كلَّها .. ويتفق أصحابُ المللِ - وعبر القرونِ المتلاحقةِ - على الاعترافِ بعظمةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ونزاهةِ سيرتِه وطيبِ خُلُقِه، وما بنا - معاشرَ المسلمين - حاجةٌ لشهادة الآخرينَ بعد شهادةِ الحقِّ المبينِ في قرآن يُتلى إلى يومِ الدِّين {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (١).

وقد بلغ الخبرُ آفاقَ الأرض وعنانَ السماء، وما من عاقل رأى محمدًا صلى الله عليه وسلم أو قرأ سيرتَه إلا ويعترفُ بهذه العظمةِ، ويشهدُ لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، ولو كان على غيرِ دينهِ، ويقول أحدُهم في مؤتمر جمع أعدادًا من المثقفين الغربيينَ سنة ١٩٢٧ م: «إن البشريةَ لتفخرُ بانتسابِ رجلٍ كمحمدٍ صلى الله عليه وسلم لها، إذ أنه رغم أُمّيتهِ استطاع قبل بضعةَ عشرَ قرنًا أن يأتي بتشريع سنكونُ نحن الأوروبيين أسعدَ الناسِ لو وصلنا إلى قمّتِه بعد ألفي سنة» (٢).

ويقول آخرُ: فالرسالةُ التي دعا إليها هذا النبيُّ ظلت سراجًا منيرًا أربعة عشر قرنًا من الزمان لملايينَ كثيرةٍ من الناسِ، فهل من المعقولِ أن تكونَ هذه الرسالةُ التي عاشت عليها هذه الملايينُ ومات أكذوبةَ كاذبٍ، أو خديعةَ مخادع، ولو أن الكذبَ والتضليلَ يروجان عند الخلقِ هذا الرواجَ الكبيرَ لأصحبتِ الحياةُ سخفًا وعبثًا، وكان الأجدرُ بها ألا توجد (٣).

إخوة الإسلام: أما المسلمون فقد أشادوا - ولا غرابةَ - بسيرة محمدٍ صلى الله عليه وسلم،


(١) سورة القلم، الآية: ٤.
(٢) الرسول في كتابات المستشرقين (٧٦).
(٣) أوروبا والإسلام ص ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>