للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشهدت مصنفاتُهم المؤلَّفةُ في كلِّ فنٍّ من فنونِ السيرة على عظيم حفاوتِهم وعنايتِهم بالسيرة وصاحِبِها، وأكّدَ العلماءُ على أن سيرةَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم من أسبا تقويةِ الإيمان واليقين في القلوبِ، وفي ذلك يقول ابنُ القيّم: وإذا تأملتَ أخبارَ الأممِ وأيامَ اللهِ في أهلِ طاعتِه وأهلِ معصيتِه طابقَ ذلك ما علمتُه من القرآنِ والسُّنةِ، ورأيتُه بتفاصيلِ ما أخبر اللهُ به ووعدَ بهِ، وعلمتَ من آياتهِ في الآفاق ما يدلُّك على أنَ القرآنَ حقٌّ، وأنّ الرسولَ حقّ، وأن الله يُنجز وعدَه لا مَحالة (١).

وهل سيرةُ المصطفى صلى الله عليه وسلم إلا جزءًا من أيامِ اللهِ - بل هي أصدقُ أيامِ اللهِ - في نُصرة أهلِ طاعتِه وخُذلانِ أهل معصيتِه؟

ويرى ابنُ حزمٍ رحمه اللهُ أن السيرةَ النبويةَ طريقٌ لخيري الدُّنيا والآخرةِ ويقول: «من أرادَ خيرَ الآخرةِ وحكمةَ الدنيا، وعدلَ السيرةِ، والاحتواءَ على محاسنِ الأخلاقِ كلِّها، واستحقاقِ الفضائلِ بأسرِها، فليقتدِ بمحمد صلى الله عليه وسلم، وليستعمل أخلاقَه وسِيرَه ما أَمكنه» (٢).

عبادَ الله: إن التمعُّنَ في سيرةِ محمد صلى الله عليه وسلم يؤكد نبوتَه، وتشهدُ على صدق رسالتِه، وهي بذاتِها معجزةٌ من معجزاتِه، وفي هذا قال أحدُ العلماء: «إن سيرة محمدٍ صلى الله عليه وسلم لمن تدبّرها تقتضي تصديقَه، وتشهدُ له بأنه رسولُ اللهِ حقًا، فلو لم تكن له معجزةٌ غيرَ سيرتِه لكفى (٣).

أجل إن أخلاقَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم وجميلَ سيرتِه، برهانٌ على نبوته، ودليل على عظمتِه وقائدٌ إلى الإيمان بما جاء بهِ، يقول القاضي عياضٌ رحمه اللهُ: وإذا تأمّل المنصفُ جميلَ أثرِه، وحميدَ سيرتِه، وبراعةَ علمِه، ورجاحةَ عقلِه وحلمِه،


(١) الداء والدواء ص ٢٢.
(٢) الأخلاق والسير في مداواة النفوس (٢٤).
(٣) ابن حزم، «الفصل في الملل والنحل» ٢/ ٩٠، دار المعرفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>