للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجُملَةَ كمالهِ، وجميعَ خِصالِه، وشاهدَ حالَه، وصوابَ مقالِه، لم يمترِ في صحَّة نبوتِه وصِدقِ دعوتِه - ثم قال -: وقد كفى هذا غيرَ واحدٍ في إسلامِه والإيمانِ به.

ثم ساق قصةَ الحبرِ عبدِ اللهِ بن سلام رضي الله عنه حين جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - يوم قَدِمَ المدينةَ - فلما رآه قال: عرفتُ أنّ وجهَه ليس بوجهِ كاذبٍ (١).

وفي «صحيح مسلم» من حديث ضِماد رضي الله عنه أنه حين قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليَرْقيَه، فابتدَرَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالقول: «إن الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُهُ، من يهدِه الله فلا مُضلّ له، ومن يُضلِل فلا هادَي له، وأشهد أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأن محمدًا عبدُه ورسولُه» قال له ضِمادٌ: أعِدْ عليَّ كلماتِك هؤلاء، فلقد بلغنَ قاموسَ البحرِ - وفي رواية «ناعوسَ البحرِ» - يريد: اشتهرتْ مقالتُك هذه في جميع أقطار الأرض شرقًا وغربًا - (ثم قال): هاتِ يدَك أُبايعك (٢).

أيها الناسُ: لقد غابت سيرةُ الحبيبِ المصطفى صلى الله عليه وسلم عن نفرٍ من المسلمين، فلم يعلموها، وأنّى لهؤلاء أن يعملوا بها، وما حلّ الشقاءُ والنّكَدُ بالأمةِ المسلمةِ إلا حين غابت عنهم أضواءُ السيرةِ، وفُصِلتْ أجيالٌ من المسلمين عن التربِّي على هذه السيرة العَطرةِ، وظنّ بعضُ المسلمين أنه يَكفيهم منها التعلّقُ بالمواليد والاحتفالاتِ البِدعية .. وكأن العنايةَ بالسيرة أو الذّكرى لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم لا ينبغي أن تتجاوزَ أيامًا معدودةً .. وعَبْرَ قصائدَ فيها من الشِّركيات ما تُنزَّه عنه السيرةُ العطرةُ، وعَبْرَ اجتماعات واحتفالاتٍ لم يفعلها الرّسولُ صلى الله عليه وسلم بنفسِه، ولا اجتمع على مثلِها صحابتُه من بعدِه وهم أقربُ الناسِ له، وأكثرُ الناسِ محبةً وتعظيمًا له .. لكنها البِدَع المُحْدَثَةُ يُلقيها ويُروّجُ لها شياطينُ الإنسِ والجنّ ليصرفوا بها الناسَ عن المحبّةِ الحَقّة والاقتداءِ الدائمِ بسيرةِ محمد صلى الله عليه وسلم وهَدْيهِ.


(١) رواه الترمذي، وانظر: القاضي عياض: الشفا بتعريف حقوق المصطفى (١/ ٣٤٢).
(٢) صحيح مسلم (٥٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>