للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- وأبقى هذه المعجزةَ محفوظةً على مرّ الزمانِ وتكاثُرِ الأعداءِ، تستجيبُ لها العقولُ السليمةُ، والقلوبُ الواعيةُ، وإن لم تشهد نزولَها أو ترى الرسولَ المُنزَّل عليه بها.

إن القرآنَ معجزةٌ خالدةٌ لخلودِ رسالةِ الإسلام، وهي محفوظةٌ بحفظ اللهِ ما بقيتِ الحياةُ وانتشرَ الأحياءُ .. وذلك ما لم يتوفَّر مثلُه لنبيٍّ من الأنبياءِ قبلَه - عليهمُ الصلاةُ والسلامُ.

ومن خصائصِ سيرة محمدٍ صلى الله عليه وسلم ونبوَّتِه أن اللهَ تعالى أطلعَه على غيبٍ، وقصَّ عليه من الأحوالِ الأنبياءِ السابقينَ، وعرَّفه بأخبارِ الأُممِ الماضين مما لم يتوفَّر مثلُه لنبيٍّ قبلَه، ولم تعلم به أمتُه من قبلِه، قال تعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا} (١).

وقوله: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} (٢).

أيها المسلمون: واختُصّ محمدٌ صلى الله عليه وسلم من بين الأنبياءِ بنوعيةٍ من الأصحاب لم يتوفَّرْ مثلُهم كذلك لنبيٍّ من الأنبياء - لا في العدد ولا في النوعية، فمحمدٌ صلى الله عليه وسلم أكثرُ الأنبياءِ تَبَعًا، وأصحابُه رضوانُ الله عليهم لا يُقارَنون بغيرهم له إتّباعًا - فما قالوا له: اذهب أنت وربُّك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولا قالوا له: (أنتَ اللهُ) أو: (ابنُ الله) أو: (ثالثُ ثلاثةٍ) - تعالى الله عما يقول الظالمون عُلوًا كبيرًا - وقد مرّت بهم مِحَنٌ وبلوى فصبروا لها، واقتضى أمرُ الإسلام أن يُفاصِلَ الابنُ أباه، بل يقاتله على الإسلام، فاستجابوا حتى أظهر اللهُ دينَه، وهذه الشّدة عبّر عنها أحدُ الصحابة لنفرٍ من التابعين كانوا يغبطونَه على رؤية رسولِ الله صلى الله عليه وسلم


(١) سورة هود، الآية: ٤٩.
(٢) سورة آل عمران، الآية: ٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>