إسحاقَ بسند حسن. وروى مسلمٌ القصةَ في كتاب المغازي (١).
أجل، إن سيرة محمدٍ صلى الله عليه وسلم تُعلِّمُنا - فيما تعلِّمنا - العيشَ لحياةٍ كريمةٍ وهدفٍ نبيل، إنها معاني ومواقفُ تشدّ النفوسَ بعيدًا عن الزّيفِ والمبالغةِ، ولابد وأن يتخفَّفَ المرءُ من زينةِ الحياة، ويتعالى على زُخرفها، ويوم أن كانت ملوكُ فارسَ والرومَ تتقلّب على الأرائك والسُّررُ، كان محمد صلى الله عليه وسلم ينام على الحصير حتى أثّر في جنبهِ، وكانت منازلُهم قصورًا فارهةً وجناتٍ وأنهارًا، ومحمد صلى الله عليه وسلم اتخذ من حجراتِ أزواجهِ مسكنًا له في الحياة وقُبِرَ في إحداهنَّ بعد الممات.
وعلّمنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم بسيرتِهِ العمليةِ الصبرَ على المِحَن، والتفاؤلَ في زمن الشدائدِ، والجِدَّ والعملَ، والثقةَ بنصر اللهِ رغم الزلازلِ والكُروبِ، وتشهد بطحاءُ مكةَ، وعَقَبةُ الطائفِ، وجَبَلُ أُحد ويومُ حُنين - وسواها من مواقع السيرةِ وأحداثِها - على صدق محمدٍ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه في الجهادِ والتضحيةِ والبلاغِ المبين.
وحَسْبُ الذين يعشقون البطولةَ بكافّةِ معانيها أن يقرؤوا في السيرة وسيجدون ما يروي ظمأهم .. إي وربِّي، إنّ موقفَ أهلِ الطائفِ من دعوةِ الهُدى يمثِّلُ نوعًا من بطولةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم في الصبر وتحمُّل الأذى الجسديِّ، كيف والأذى النفسيُّ الواقعُ من أعظمها.
بطولةٌ أُخرى - في هذا الحدث - يوم أن ردّ على مَلَكِ الجبالِ ومنَعَه أن يُطبقَ الأخشبين على قومهِ الذين أخرجوه، وبطولةٌ ثالثة تتمثَّل في نظرة النبيِّ صلى الله عليه وسلم للمستقبلِ ويقينِه بانتصار الدعوةِ ولو في جيلٍ ما زالوا في الأصلاب، وهو ما عناه صلى الله عليه وسلم:«بل أرجو أن يُخْرِجَ اللهُ من أصلابِهم مَنْ يَعبدُ اللهَ وحدَه» يقول هذا
(١) الصحيح المسند من فضائل الصحابة، مصطفى العدوي ٣٣٣، ٣٣٤، مع زيادة عليها.