الآفاق يفتحون المُدن بـ «لا إله إلا الله» ويدعون الخلقَ إلى طاعةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من عندِ الله .. وتلك مسئوليَّتَهُم ومسئوليةُ مَنْ جاء بعدَهم من المسلمين، حتى يَرِثَ اللهُ الأرضَ ومَنْ عليها، وتلك هي البُرْهانُ على مَحبّة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والشاهدُ على الانتفاع بسيرتِه.
ومع ذلك كلِّه ظلّ المسلمون في المدينةِ يتذكّرون حَبيبَهم، وكلّما ذُكّروا به تحركتْ مشاعرُهم. أخرج ابنُ عساكرَ بسند جيد - كما يقول الزّرقاني - وأنكره الذهبي: أن بلالًا رضي الله عنه توجّه للشام مجاهدًا، ثم قَدِمَ المدينةَ لرؤيا رآها في النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأتى قبرَه وجعل يبكي، ثم التقى بالحسنِ والحسينِ رضي الله عنهما، فجعل يَضمُّها ويُقبِّلُهما، فقالا: نتمنى أن نسمعَ أذانَك الذي كُنتَ تؤذّنُ به لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فعلا سطحَ المسجدِ ووقَف مَوْقِفَهُ الذي كان يقفُ فيه، فلما قال:(اللهُ أكبر) ارتجّتِ المدينةُ، فلما قال:(أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا الله) ازدادت رجَّتُهَا، فلما قال:(أشهدُ أنّ محمدًا رسولُ اللهِ) خرجتِ العَواتقُ من خُدُورِهنَّ، وقالوا: بُعثَ رسولُ الله! فما رُؤيَ يومٌ أكثرَ باكيًا ولا باكيةً بالمدينة بعدَه صلى الله عليه وسلم أكثرَ من ذلك اليوم (١).
أيها المسلمون: لنقرأ سيرةَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم وأَصحابِه قراءةً واعيةً، فكم نحن محتاجون لهم، بل تحتاجُ البشريةُ كلُّها إليها، ففيها الخيرُ والفلاح والعِزّةُ والرِّفْعَةُ في الدّنيا والآخرةِ، وهي السبيلُ لخَلاص العالَم من وَيْلاتِه في الدّنيا، والطريقُ الأمِنُ للسلامة في الآخرةِ.
وإن من واجبِ المسلمينَ وحقوقِ غيرِهم عليهم أن تُتَرْجمَ هذه السيرةُ إلى كلِّ لغةٍ، وتصلَ إلى كلِّ حيٍّ على هذه البسيطةِ، وكلُّ تقصير في هذه المهمةِ سُيسألُ
(١) شرح الزرقاني على المواهب القسطلاني ٣ (٣٧٠)، سير أعلام النبلاء ١/ ٣٥٨، وقال الذهبي إسناده لين وهو منكر.