للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوقفة الرابعة: (من أسرارِ المصائبِ ونتائجِها):

إن الله تعالى يبتلي الناسَ بالسراءِ والضراءِ ليرى - وهو أعلم - شكرَهم وصبرَهم، وما دامَ الحديثُ على البلاءِ، فقد قالَ العارفون: إنّ من أسرارِ ذلك:

أ- أن المسلمين إذا ابتُلوا فصبرَوا عزّتْ عقيدتُهم في نفوسِهم، ثم انتقلت هذه العزةُ إلى أعدائهم، إذ يقولونَ: لولا ما في هذه العقيدةِ التي ينتمونَ لها من خيرٍ لما صبروا على تكاليفها، ولا قَبِلُوا هذا البلاءَ، وقد ينقلبُ المعارضون للعقيدةِ باحثينَ عنها وعن أسرارها.

ب- ومن أسرار البلاءِ - كذلك - أن يَصلُبَ عودُ أصحابِ العقيدةِ ويقوي، إذ المحنُ والبلايا تَستخرجُ مكنونَ القُوى، وما عندَ العبدِ من طاقة، وتفتحُ للقلوبِ منافذَ من الخيرِ ما كان لها أن تظهرَ إلا تحتَ مطارقِ الشدائدِ والمحنِ.

ج- وسرٌّ ثالثٌ مهمٌّ هو الالتجاءُ إلى اللهِ وحده حينَ تُهتزُ الأسنادُ كلُّها وتتوارى الأوهامُ وهي شتّى، ويخلو القلبُ إلى الله وحدَه، لا يجدُ سندًا إلا سندَه، ولا مخرجَ ولا فرجَ إلا من عندِه (١).

وتلك وربِّي تربيةٌ للنفوسِ في زمنِ الشدائدِ لا يعقلُها إلا من صبرَ ورجعَ إلى ربِّه، أولئكَ يُبَشّرون بالجزاءِ في الدنيا قبلَ الآخرة {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (٢).

الوقفة الخامسة: (ما جزاءُ الصبرِ على البلاء؟ )

والجواب: تجدونَ ذلك في قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} (٣) قال بعضُ المفسرين: أَمَنةً من العذابِ، وقال عمرُ رضي الله عنه: نعم


(١) في ظلال القرآن ١/ ١٤٥ عند تفسير الآية السابقة.
(٢) سورة البقرة، الآيتين: ١٥٥ - ١٥٦.
(٣) سورة البقرة، الآية: ١٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>