لكن هل تظلّ هذه التهاني مجردَ عادةٍ لا تتجاوزُ الحناجرَ، أم ندركُ مغزاها، ونُثمّنُ القصدَ منها.
إن التهنئةَ بشهرِ الصيامِ تعني فرحتَنا بهذا الشهرِ الكريم، وتعني استعدادَنا لحسنِ استقبالِه، والمنافسةَ فيه بالطاعة، وتعني شعورنا بأن أيامَه دُررٌ تختلفُ عن غيرها، وتستدعي منا المحافظةَ على كلِّ لحظةٍ، واستثمارَ كلِّ ساعةٍ بنوعٍ من أنواعِ الطاعةِ، فهل تحقَّقَ معنى التهنئة في شهرِ رمضانَ، وهل نَستحيي من أنفسِنا ومن ربِّنا أن نقولَ ما لا نفعل، أو نفعلَ خلافَ ما نقولُ؟
إن نغمةَ التهاني تُطالِعُنا في بدايةِ الشهرِ، ثم تنسحبُ ليحلَّ محلَّها الترجمانُ الصادقُ أو الكاذبُ لهذه التهاني؛ فالذينَ يقدّرونَ هذا الشهرَ الكريمَ، ويتقربونَ إلى خالقِهم بطاعتِه، ويصونونَ صومَهم عن اللغوِ والرفثِ وقولِ الزورِ وسماعِ المنكرِ ومشاهدةِ المحرَّم، أولئك لهم ترجمانٌ صادق، والذينَ يَرونَ في شهرِ الصيام فرصةً للعَبِّ من الشهواتِ، ما حلّ منها بالإسراف، وما حرم منها بالتخوض والتهتُّك، ويرون شهرَ رمضان شهرًا ثقيلًا يعدونَ أيامَه ولياليهِ، وينتظرونَ إطلالةَ شهرِ شوالِ بفارغٍ من الصبر، وأنّى لهؤلاءِ أن يدخلوا مضمارَ السّباقِ مع المسارعينَ للخيراتِ، حتى وإن أسبغَ عليهم ربُّهم من موفورِ الصحةِ وسعةِ الرزقِ ما ينبغي أن يشكروه عليه - هؤلاءِ أصحابُ الترجمانِ الكاذبِ لهذه التهاني المكرورةِ البلهاءِ.
أيها المؤمنونَ: وبعيدًا عن هذه الطائفةِ المحرومةِ من فيضِ رمضانَ، وقبلَ أن نودِّعَهُم ندعو لهم، فالقلوبُ بين إصبعينِ من أصابعِ الرحمنِ يقلِّبُها كيفَ يشاءُ، ونحنُ لهم ناصحونَ لا مُشَهِّرونَ ولا شائنونَ، أقولُ بعيدًا عن هذه الفئةِ التي نسألُ الله «اللهمَّ رُدَّهم إليكَ ردًّا جميلًا، وحبِّب إليهمُ الإيمانَ وزيِّنْةُ في قلوبهم، وكرِّه إليهم الكفرَ والفسوقَ والعصيانَ» فثمةَ طائفةٌ أخرى أحيا قلوبًا وأحرصَ