الفقراءِ والمُعوزينَ؟ أين كَفْكفتُه لدموعِ الأيامى واليتامى والأراملِ والمحتاجين؟
لا شيءَ من ذلك، بل نصيبُه الكدحُ والهمُّ، واللومُ والذمُّ، ذاكَ في الدنيا .. وفي الآخرةِ أشدُّ وأنكى إذا لم يؤدِّ حقّ اللهِ فيه .. هذا إن كان الجمعُ حلالًا .. فإنْ خالطَه شيءٌ من الحرام فتلك ظلماتٌ بعضُها فوقَ بعضٍ، ومن لم يجعل اللهُ له نورًا فما له من نور، إنه نوعٌ من الإعاقةِ والحرمانِ شعرَ بها هذا المسكينُ، أم لم يشعر.
عبادَ الله: كم تتفاوتُ الهِممُ، وكم تتباينُ السلوكياتُ، وإذا كانتِ الأعمارُ واحدةً فالأعمالُ متفاوتةٌ، وإذا وُجدَ من يملكُ ولا يعملُ، فيوجد كذلك من لا يَملكُ، ومع ذلك يُفكر بالعمل، ولربَّما لم يجدْ ما يعمل سوى تقديمِ النيةِ الطيبةِ لو وَجَدَ.
ودونَكم هذا الهديَ النبويَّ في أصنافِ أهلِ الدنيا فتأمَّلوه، واعرضوا أنفسَكم عليه، وبه تقسيمٌ لهممِ أصحابِ الأموالِ والمُعدَمينَ، يقول صلى الله عليه وسلم في سياقِ حَثِّه على الصدقة:«إنما الدُّنيا لأربعةِ نَفَرٍ: عبدٍ رزقَه اللهُ مالًا وعلمًا، فهو يتَّقي فيه ربَّه، ويصلُ فيه رحمَه، ويعلم للهِ فيه حقًّا، فهذا بأفضلِ المنازلِ، وعبدٍ رزَقَه اللهُ تعالى علمًا ولم يرزُقْه مالًا، فهو صادقُ النيةِ، يقول: لو أن لي مالًا لعلمتُ بعملِ فلانٍ، فهو بنيَّتِه فأجرُهما سواءٌ، وعبدٍ رزَقَه اللهُ مالًا ولم يرزقْهُ علمًا، يخبطُ في مالِه بغير علمٍ لا يتَّقي فيه ربَّه، ولا يصلُ فيه رحِمَه، ولا يعملُ لله فيه حقًّا، فهذا بأخبثِ المنازلِ، وعبدٍ لم يرزُقْه اللهُ مالًا ولا علمًا، فهو يقول: لو أنَّ لي مالًا لعلمتُ فيه بعملِ فلانٍ، فهو بنيَّتِه فوِزْرُهما سواء»(١).
(١) رواه أحمد والترمذي، وسنده صحيح «صحيح الجامع الصغير» ٣/ ٦١ ح ٣٠٢١.