للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونتذكرَ بها نعمةَ اللهِ علينا في الحاضر.

أجل، لقد بدأ شبحُ الظلام يتوارى شيئًا فشيئًا، وفي كل بقعةٍ يتوارى الظلامُ تشعُّ فيها أنوارُ المعرفةِ والأمنِ والاستقرار .. حتى عمَّ الخيرُ وانتشر الأمنُ، وساد العلمُ وانطوى بساطُ الجهلِ .. وكانت بلادُ الحرمين مأوى الأفئدةِ، وملاذَ الخائفين، وبها تتوفرُ فرصُ العيشِ للوافدين .. فلك الحمدُ ربَّنا، وجزا اللهُ كلَّ من أسهمَ في نشرِ الخير وتوطيدِ دعائمِ الأمن في بلادِنا.

عبادَ الله: إن الأمنَ في الأوطانِ نعمةٌ لا يقدِّرُها حقَّ قدرِها إلا من عرفَ أو عاشَ خلافَها، وقد يتصورُ المرءُ خطًا وهو يعيشُ حالةَ الأمن والاستقرار أنَّ الناسَ كلَّهم كذلك، وليس الأمر كذلك {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} (١).

وفي حالِ غفلةِ الإنسان قد ينسى أو يجهلُ ثمراتِ الأمن .. وللأمنِ ثمراتٌ كثيرةٌ، ومنها: تحقيقُ العبوديةِ لله، والقيامُ بشرائع الدينِ كما أمرَ اللهُ، وكما جاء بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وهل يستطيعُ الخائفُ أن يعبدَ ربَّه كما أراد، والحق تبارك وتعالى يربطُ بين العبودية له، وبين الأمنِ وتوفُّرِ المَطعم، ويقول: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} (٢).

إن توفرَ الأمن، ورغَدَ العيشِ مقوماتٌ أساسيةٌ للعبادة، وما من عبادةٍ إلا وتحتاجُ إلى هذا وذاك.

وإن فقدانَ الأمن، وشظفَ العيشِ بلوى يمتحنُ اللهُ بها عبادَه، ولكن الصبرَ طريقُ الفرج {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (١٥٦) أُولَئِكَ


(١) سورة العنكبوت، الآية: ٦٧.
(٢) سورة قريش، الآيتين: ٣، ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>