للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيُضيِّعُ همَّه في سفاسفِ الأمور وصغائِرها، وهذا ما يُسمى بصغير الهِمّة أو صغيرِ النفْسِ.

ومن الناس من لا يكفي لعظائم الأمور ويُحسّ بأنه لا يستطيعها، وأنه لم يُخلَق لأمثالها، فيجعلُ هِمّتَه وسعيَه على قدر استعدادِه، وهذا الصنفُ بصيرٌ بنفسِه، متواضعٌ في سيرتِه. ورابع الأصناف من لا يكفي للعظائم، ولكنه يتظاهر بأنه قويّ عليها، مخلوقٌ لأَنْ يحملَ أثقالَها وهذا يُسمونَه (فخورًا) أو (مُتعظِّمًا) (١).

عبادَ الله: وإن شئتم أن تضعوا أيديَكم على الفَرْق بين عُلوِّ الهِمّةِ ودُنوِّها وتَرَوْا مواقعَكم فيها، فدونكم تعريفًا لكلٍّ منهما:

فعلوُّ الهِمّةِ هو استصغارُ ما دون النهايةِ من معالي الأمور، وطلبُ المراتب الساميةِ، واستحقارُ ما يَجودُ به الإنسانُ عند العطيةِ، والاستخفافُ بأوساطِ الأمور وطلبُ الغايات، والتهاونُ بما يملِكُه، وبَذْلُ ما يُمكنهُ لمن يسألُه من غيرِ امتنانٍ ولا اعتدادٍ به.

أما دنوُّ الهِمّة: فهو ضعفُ النفسِ عن طلب المراتِ العالية، وقصورُ الأملِ عن بلوغِ الغاياتِ، واستكثارُ اليسيرِ من الفضائل، واستعظامُ القليل من العطايا، والاعتدادُ به والرضا بأوساط الأمور وصغائِرِها (٢).

أيها المسلمون: فرق بين من تتعاظم هِمّتُه إلى التطّلع إلى جناتِ الفردوس، ثم هو في حياته يسعى إلى ذلك سعيًا حثيثًا، فإذا حلّت مواسمُ الخيراتِ استثمرها، وإذا أدرك فرصَ الطاعاتِ سابقَ إلى اغتنامها، وبين مَن هِمّتُه طِيبُ


(١) رسائل الإسلام، محمد الخضر حسين ٢/ ٨٧ عن كتاب «الهمة العالية» محمد الحمد ص ١٨.
(٢) تهذيب الأخلاق للجاحظ ص (٢٨) و (٣٤) عن كتاب «الهمة العالية» للحمد (١٦) و (١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>