للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطعمِ وأثيرُ الفراش، والسَّمرُ هنا أو هناك لتقطيعِ الأوقاتِ، حتى ولو سمع الفُحشَ أو رأى المنكراتِ!

أيها الصائمونَ: وحين يظنُّ البطَّالون أنّ في كثرةِ النوم أو كثرة الأكل والشُّرب - لاسيَّما في رمضانَ - نوعًا من السعادةِ وطريقًا للأُنس والراحة، يراها أصحابُ الهِمَمِ مورثةً للبلادَةِ جالبةً لأمراض التُّخمةِ .. وهذا عمرُ بنُ الخطاب رضي الله عنه يقول: «من كَثُرَ نومُه لم يجدْ في عُمرِه بركةً» (١).

وهذا شيخُ الإسلام ابنُ تيميةَ رحمه الله يقول: «فالذينَ يقتصدون في المآكلِ نعيمُهم بها أكثرُ من المسرفين فيها، فإن أولئكَ إذا أدمنوها وأَلِفُوها لا يبقى لها عندهم كبيرُ لَذّةٍ، مع أنهم قد لا يصبرون عنها وتكثُر أمراضُهم بسببها» (٢).

إن شهرَ الصيام فرصةٌ تعلو فيها الهِمَمُ - أو هكذا ينبغي أن يكون - فما تزالُ الهِمّةُ العاليةُ بصاحبها تضربُه بسياط اللّوم والتأنيب، وتزجُره عن مواقفِ الذُّلِّ واكتسابِ الرذائل وحرمانِ الفضائل، حتى ترفعَه من أدنى دركاتِ الحضيض إلى أعلى مقاماتِ المجد والسُّؤدُد.

كيف لا: والصائم بنهارِه يستمتع بالصيام، وهو بليلهِ سعيدٌ بالقيام .. وكيف لا! والصائمُ يقضي شطرًا من وقتِه يُناجي ربَّه يستغفرُه ويستهديهِ ويسألُه المزيدَ من فضلِه، يتلو كتابَه فيخشعُ قلبُه، ويذكُره في نفسِه، فيزدادُ تعظيمًا ومحبةً له - ثم هو يتصدقُ ويَصِلُ، فتطيبُ نفسُه وينشرحُ صدرُه، ويدعو الآخرين للخير، فيجعلُ له الرّحمنُ بين خلقِه وُدًّا.

نعم، إن هذه المعاني والأعمالَ الخيرةَ تحتاج من النَّفْسِ إلى صبرٍ ومصابرةٍ،


(١) الأدب النبوي/ ٢١٢، الهمة العالية (٤٣).
(٢) جامع الرسائل، تحقيق محمد سالم ٢/ ٣٤٠، عن الهمة العالية للحمد (٤١) و (٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>