للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكنها تَلذُّ في النهاية - لمن وَفّقه اللهُ - فالمكارمُ مَنُوطةٌ بالمكارِهِ، والسعادةُ لا يُعْبَر إليها إلا على جسرِ المشقة .. ولكنها في النهاية تَلَذُّ وتصفو على حدّ تعبير الشاعر:

تَلَذُّ له المروءةُ وهي تؤذِي ... ومن يَعْشَقْ يَلَذُّ له الغرامُ

أيها الصائمون: تداركوا ما بقي من أيام رمضانَ، فالفرصُ الضائعةُ تُعوَّضُ، والفُرصُ الباقية يُعَضُّ عليها ولا يفرَّط في شيءٍ منها.

أيها المسلمون: وحين نصارحُ أنفُسَنا نقول: إن الهِممَ قد اعتراها حتى في شهرِ الصيام فتورٌ .. ولم يسلمِ الخَيِّرون - فضلًا عمّن سواهم - من هذا الفتور .. ودونكم نماذجَ لضَعفِ الهِمَم .. فمتى يحضرُ الصائمون لصلاة الجمعة؟ ! وكم عددُ الذين يَمكثون في المساجدِ بعد صلاةِ الفجرِ بالذِّكر والتلاوةِ؟ وأين الذين تمتلئُ بهمُ المساجدُ من بعد صلاة العصرِ إلى ما قبلَ الغروبِ .. هل زادتْ نوافِلُنا في رمضانَ؟ أم تعاظمت صدقاتُنا في شهر الإحسان؟ أين التبكيرُ للمساجد؟ إلى غير ذلك من أسئلة نجدُ في أنفسِنا حَرَجًا وضعفًا حين نريدُ الإجابةَ عنها.

عبادَ الله: إن من الفُرصِ في رمضانَ - بل وفي سائر العام - فرصةَ التوبةِ إلى اللهِ وهذه التوبةُ نُقصِّر في فَهمِها حين نظُنّها خاصةً بفئةٍ من المسلمين، بل هي عامةٌ، والدعوةُ فيها موجّهةُ للمؤمنين - فضلًا عن سواهم - وفي هذا يقول ربّنا تبارك وتعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (١).

والإمامُ ابنُ القيِّم رحمه اللهُ عقد في كتابه «مدارج السالكين» فصلًا عن التوبةِ قال عنه: إنه من أنفع فصولِ الكتاب، والعبدُ أحوجُ شيءٍ إليه، وبه حصرَ اثني عشرَ


(١) سورة النور، الآية: ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>