للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إخوة الإيمان: ونستفيد من هذه الحادثةِ عدةَ دروسٍ، منها: أولًا: أن أهلَ الكتابِ منهم مَن يسمعُ الحقَّ ويستجيبُ للدعوة؛ كعبدِ اللهِ بن سلامٍ، والنجاشيِّ، وأمثالِهم من مؤمني أهلِ الكتاب.

ومنهم - وهم الغالبيةُ - من يستكبرُ حتى ولو ظهر الحقُّ له، وهم الذين قال الله عنهم: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤٦) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} (١). وأولئك أفحمَهم القرآنُ وجادلهم الرسولُ صلى الله عليه وسلم في عقائدهم، وما أنزل اللهُ في كتبهم، ولكنهم ظلّوا في غيِّهم سادِرين، وعن اتّباع محمدٍ صلى الله عليه وسلم رافضين، وفي سورة آلِ عمرانَ والنساءِ والمائدةِ وغيرِها نماذجُ لهذه المحاورةِ المُفحِمة، ومن يضللِ اللهُ فما له من هادٍ، أولئك لم تنفع معهم البيّنةُ، وأولئك الذين قال الله عنهم: {وَمَا تَفَرَّقَ الَذينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (٤) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (٢).

ثانيًا: هناك فرقٌ بين عداوة المشركين من أهل الكتاب، وبين دعوتهم للحقِّ، فعداوتُهم من مقتضياتِ الوَلاءِ والبراءِ، والله نهانا أن نتَّخذهم أولياءَ، والحبُّ في اللهِ والبُغضُ في الله أوثقُ عُرى الإيمان.

أما دعوتُهم، فَذلك لإبراء الذّمةِ من جانبٍ، ولقطع الحُجّةِ عليهم ببيان الحقِّ من جانبٍ آخر، وتلك كان يمارسُها الرّسولُ صلى الله عليه وسلم معهم، بل ويَدخلُ عليهم كنائسَهم من أجلها.

روى الحاكم وصحّحه ووافقه الذهبيُّ من حديث عوفِ بن مالكٍ رضي الله عنه قال: انطلق نبيُّ الله وأنا معه حتى دخلنا كنيسةَ اليهودِ، فقال: «أروني يا معشَر يهودَ


(١) سورة البقرة، الآيتين: ١٤٦، ١٤٧.
(٢) سورة البينة، الآيتين: ٤، ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>