اثني عشرَ رجلًا يشهدون أن محمدًا رسولُ الله، يَحطُّ اللهُ عنكم الغضَبَ». فأُسكِتوا، ثم أعاد عليهم، فلم يُجبْه أحدٌ، قال:«فواللهِ لأنا الحاشرُ وأنا العاقبُ، وأنا المصطفى، آمنتُم أو كذّبتم». فلما كاد يخرجُ قال رجلٌ: كما أنت يا محمدُ، أيُّ رجلٍ تعلموني فيكم؟ قالوا: ما فينا أعلم منك، قال: فإني أشهدُ بالله أنه نبيُّ اللهِ الذي تجدونه في التوراةِ، فقالوا: كذبت، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:«كذبتُم». قال الراوي: فخرجنا ونحن ثلاثة وأُنزلت: {أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ}(١).
ثالثًا: ونستفيد من هذه الحوادثِ والمروياتِ أنّ أسفارَ أهلِ الكتابِ التي لم تُحرَّفْ تدعو أهلَ الكتابِ للإيمان بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم واعتناقِ الإسلامِ، وترْكِ اليهوديةِ والنصرانيةِ، فأنبياءُ بني إسرائيلَ، بشّروا ببعثةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم قبل أن يُبعثَ، وأخذوا على قومِهم لئن بُعث محمدٌ صلى الله عليه وسلم وهم أحياءٌ ليؤمنُنّ به ولينصرُنَّه .. وإبراهيم عليه السلام وهو أبو الأنبياء من بني إسرائيلَ، ما كان يهوديًّا ولا نصرانيًّا، ولكن كان حنيفًا مسلمًا .. ويعقوبُ عليه السلام كانت وصيَّتُه لأبنائه حين حضرتْه الوفاةُ، وكان اعترافُ أبنائه له بالعبودية للهِ وحدَه أنهم مسلمون للهِ .. فأين يذهبُ أهل الكتاب إذا كانت كُتبهم المنزلةُ تدعوهم إلى الإسلام .. وأنبياؤهم يُوصونَهم حتى المماتِ بالإسلامِ .. إنها حُجَجٌ قاطعة، وإلزامات ما لهم عنها من خَلاصٍ ولا محيص، ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذبَ وأولئك لا يفلحون.
رابعًا وأخيرًا: وكما يوجد عند أهلِ الكتابِ استكبارٌ عنِ الحقِّ وعِنادٌ عن دخول الإسلامِ - إلا مَن رحمَ اللهُ - فثمّةَ ضعفٌ عند المسلمين في دعوتِهم ومجادلتِهم بالحُسنى - دون تنازلٍ عن شيء من الحقِّ .. بل وبأسلوب يُقنعون به
(١) سورة الأحقاف، الآية: ١٠، المستدرك ٣/ ٤١٥، ٤١٦.