للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«إنّ اللهَ كتبَ على ابنِ آدمَ حظَّه من الزنا، أدركَ ذلك لا محالةَ؛ فالعينانِ تَزنيانِ وزناهُما النظرُ» الحديث.

وكم تخون النظرةُ، وكم يُعظِّم الشيطانُ المنظورَ. ولو لم يكن بذاك، قال مجاهد رحمَه اللهُ: «إذا أقبلتِ المرأةُ جلسَ الشيطانُ على رأْسِها فزّينها لمن ينظرُ، فإذا أدبرتْ جلس على عَجُزها فزيَّنها لمن ينظر» (١).

وكم تُفسد النظرةُ المحرَّمة في القلب! .

قال خالدُ بنُ أبي عمران: «لا تُتْبِعنَّ النظرةَ النظرةَ، فربما نظر العبدُ نظرةً نَغِلَ منها قلبُه - أي فَسَدَ - كما يَنْغِل الأديمُ فلا يُنتفعُ بهِ» (٢).

بل إنّ الناظرَ يُرْمى بسهامِ النظرِ قلبُه من حيثُ يشعر أو لا يشعرُ، قال الشاعر:

يا راميًا بسهام اللَّحْظِ مجتهدًا ... أنتَ القتيلُ بما يُرمى فلا تُصِبِ

وباعثُ الطّرْفِ يرتادُ الشفاءَ له ... تَوَقَّه إنه يأتيكَ بالعَطَبِ (٣)

ونقل القرطبيُّ رحمَه اللهُ: أن الشعبيَّ رحمَه اللهُ كرِهَ أن يُديمَ الرجلُ النظرَ إلى ابنتهِ أو أُمه أو أختِه. ثم قال القرطبي - وزمانه خيرٌ من زماننا هذا -: وحرامٌ على الرجل أن ينظرَ إلى ذاتِ مَحْرَمهِ نظرَ شهوةٍ يردِّدها (٤). وماذا يقولان لو علما ما سيكون في زماننا؟ !

أيها المسلمون: إن الإسلامَ يهدفُ إلى إقامةِ مجتمعٍ نظيف لا تُهاج فيه الشهواتُ في كلّ لحظةٍ، ولا تُستثارُ فيه دفعاتُ اللّحم والدّم في كلّ حين، فعملياتُ الاستثارةِ المستمرة تنتهي إلى سعار شهواني لا ينطفئ ولا يرتوي، أما النظرة الخائنة والحركةُ المثيرةُ، والزينة المتبرجةُ، والجسمُ العاري فهذه كلّها لا


(١) القرطبي: ١٢٠/ ٢٢٧.
(٢) القرطبي، المصدر السابق ١٢/ ٢٢٧.
(٣) ابن القيم: روضة المحبين ص (٩٧).
(٤) السابق ١٢/ ٢٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>