يا أخا الإيمانِ: ألستَ تُحبُّ من الآخرين أن ينصفوكَ، فعلام تظلمهم ولا تعدلُ معهم؟ أولستَ تشيدُ بالعدلِ وتمدحُ المنصفينَ، فكيف تظلمُ وتجورُ وتتجاوزُ وتبخس؟
إن العدلَ مؤشرٌ على سموِّ النفس، ومعالي الأخلاق، وكم نتحدثُ بألسنتنا عن العدلِ، ولكن الامتحانَ في المعاملةِ والأخلاقَ تكذبُ المرءَ أو تصدقه فيما ادّعاه.
لقد فاقَ المسلمون في تاريخنا المجيدِ غيرَهم في العدل وتجاوزوا بعدلِهم أهلَ الملةِ من المسلمين إلى أهلِ الذمةِ من اليهود والنصارى، ويُذكر أن عمرَ بنَ عبد العزيز رحمه اللهُ كتب إلى واليهِ على البصرةِ يقول له:«ثم انظر مَن قِبَلَكَ من أهل الذمةِ قد كَبُرَت سِنُّه، وضعُفت قوتُه، وولَّت عنه المكاسبُ، فأجْرِ عليه من بيتِ مالِ المسلمين ما يُصلحُه، وذلك أنه بلغني أن أميرَ المؤمنين عمرَ رضي الله عنه مرّ بشيخ من أهلِ الذمةِ يسألُ على أبواب الناسِ فقال: ما أنصفناك، أن كُنّا أخذنا منك الجزيةَ في شبيبتك ثم ضيَّعناك في كِبرك، ثم أجرى عليه من بيتِ المال ما يصلحه»(١).
فإذا أنصفَ أسلافَنا أهلَ الذمة، أفنعجزُ عن إنصافِ أهلِ الملَّةِ؟
إن في حياتنا ممارساتٍ خاطئةً لا تستقيمُ مع العدل، ولا تسيرُ مع الإنصاف، ففي الخصوماتِ يظلم بعضُنا خصمَه، ولربما أخذ حقًّا ليس له، ولكن بقوة حجتِه وكذبه أو بشراءِ ذممٍ وشهداءِ زورٍ، وويل لمن اقتطع حقّ غيرِه بدون حقٍّ، وما زالَ رسولُ الهدى صلى الله عليه وسلم يُحذرُ من شهادةِ الزور وقولِ الزور حتى تمنّى الصحابةُ رضي الله عنه لو سكت!
(١) أحكام أهل الذمة لابن القيم، تحقيق صبحي الصالح ١/ ٣٨.