للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حقَّه فيها ولم ننصِفْه في ذِكرها، والوسطيةُ منزلةٌ بين الغلوِّ والجفاء، ولهذا قال العلماء: «وإذا اجتمع في الرجل الواحدِ خيرٌ وشرٌّ، وفجورٌ وطاعة، وسُنةٌ وبدعة، استحقّ من الموالاةِ والثوابِ بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداةِ والعقاب بحسبِ ما فيه من الشر، فيجتمعُ في الشخص الواحد موجباتُ الإكرام والإهانةِ، فيجتمعُ له من هذا وهذا كاللصّ الفقيرِ تُقطع يَدُه لسرقتِه، ويُعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته» (١).

أيها العلماءُ والدعاةُ وطلبةُ العلم: وأنتم قدوةٌ لغيركم في تحقيق الائتلاف وردمِ فجواتِ الاختلاف وآثارِها السيئة وإذا كان الخلافُ واردًا في بعضِ مسائل العلم، وفي عددٍ من الاجتهادات والأمور الفرعية، فينبغي أن يبقى حبلُ الودِّ متصلًا، فالخلافُ في الرأي لا يُفسد للودِّ قضيةً - كما يُقال - وإذا كان الصحابةُ رضوان اللهِ عليهم قد اختلفوا في بعض المسائلِ الاجتهادية - فميزتُهم أنهم كانوا مع ذلك أهلَ مودةٍ وتناصح، ومع تنازعهم في مسائلَ علميةٍ اعتقاديةٍ إلا أنهم حافظوا على بقاءِ الجماعةِ والأُلفة .. كما قررَ ذلك العلماءُ كالشاطبيِّ وابن تيميةَ وغيرِهم (٢).

أما أنتم معاشرَ العَوامَ: فلا تظنوا أن الاختلافَ بين العلماء في بعض المسائلِ مؤشرٌ للشرور والفساد، بل قد يكون الاختلافُ رحمةً وتوسعة، ومن فقه عمرَ بنِ عبد العزيز رحمه الله قولُه: ما يَسرُّني أن أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا، لأنهم إذا اجتمعوا على قولٍ فخالفهم رجلٌ كان ضالًا، وإذا اختلفوا فأخذ رجلٌ بقول هذا، ورجلٌ بقول هذا كان في الأمر سَعةٌ (٣).

ونقل ابنُ تيميةَ أن رجلًا صنَّف كتابًا سماه «كتابَ الاختلاف» فقال الإمام


(١) الفتاوى لابن تيمية ٢٨/ ٢٠٩.
(٢) الموافقات ٤/ ١٨٦، الفتاوى ١٩/ ١٢٣.
(٣) الفتاوى ٣٠/ ٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>