للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غريبٌ! تختلطُ فيهِ أصواتُ السكارى مَعَ آهاتِ الحيارى، لا تسألني: ماذا فعلتُ هناكَ؟ لقدْ فعلتُ كلَّ شيءٍ إلا الصلاةَ والقرآنَ، فلمْ يكنْ في البرنامجِ المعدِّ وقتٌ لهما!

لقد مرَّ الوقتُ سريعًا ولمْ يبقَ على انتهاءِ الرحلةِ إلا يومٌ واحدٌ، وكانَ منْ فقراتِ حفلِ التوديعِ اختيارُ الشابِّ المثاليِّ في الرحلةِ، ووقعَ الاختيارُ عليَّ، وكانَ الوسامُ صليبًا ذهبيًّا، ولا غرابةَ! فعددٌ منَ المشتركينَ معنا في هذهِ الرحلةِ نصارى. فكّرت وقدّرتُ لماذا اختاروني وَحْدي وهناكَ الكثيرُ ممّنْ هو على دينِهمْ .. ألأنِّي مسلمٌ اختاروني؟

توالتِ الأسئلةُ في ذهني وترددتْ حيرتي، وزادَ عَجَبي، وهنا في هذا الموقفَ تذكرتُ أبي وصَلاتَه، وأمّي وتسبيحَها، وخطيبَ الجمعةِ وتحذيرَه منَ السفرِ للخارجِ .. بلْ قفزَ إلى ذِهْني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وكأنَّهُ يزجرُني ينهى عنْ مّا وصلتُ إليهِ.

ولكنْ قطعَ هذا التفكيرَ كلَّه صوتُ المقدِّم للبرنامجِ يطلبُ مني التقدمَ إلى المنصّةِ لاستلامِ الصليبِ وهُوَ يُمسِكُ بهِ. وفي هذهِ اللحظاتِ تخيَّلتُ الصليبَ يلمعُ كالحقدِ، ويسطعُ كالمَكْرِ .. اقتربَ القائدُ وأمسكَ بعنقي ليُقلِّدَني الوسامَ وليلبسَني الصليبَ .. !

هنا وفي هذا الموقفِ الرهيبِ ولدتُ، وكأنني أسمعُ صارخًا يقولُ: قفْ إنكَ مسلمٌ! وتذكرْ أنكَ مغزوٌّ، وعُدْ إلى ربِّكَ مادامَ في الحياةِ مهلةٌ، فقدْ لا تعودُ منْ سفرِكَ، وماذا سيكونُ مصيرُكَ لوْ نزلَ بكَ رَيْبُ المَنُونِ وتلكَ حالُكَ، وتعالى شعورُ الإيمانِ وجذوةُ اليقينِ، وتخيّلتُ مشاهدَ الآخرةِ والبعثِ والحسابِ وكأنَها طيفٌ يمرُّ بي .. وهنا تشجَّعتُ وأمسكتُ بالصليبِ الذهبيِّ وقذفتُهُ في وجهِ القائدِ، بلْ ودستُه تحتَ قدميَّ، وأخذتُ أَجْري وأَجري وهمْ يظنُّونَ بي شيئًا منَ

<<  <  ج: ص:  >  >>