للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونعودُ للسؤالِ المطروحِ مرةً أخرى: ماذا تعني لغةُ الغطرسةِ والكبرياءِ .. ؟ إنَّ ممَّا تَعنيهِ هذهِ اللغةُ أنها تنفيسٌ عنِ الحقدِ الدفينِ، وهيَ أسلوبٌ سافلٌ منْ أساليبِ الاستفزازِ، هي نزغةٌ منْ نَزَغاتِ الشيطانِ، وهيَ محاولةٌ لتصفيةِ القضيّةِ العادلةِ على حسابِ الجماجمِ والأشلاءِ البشريّةِ .. وهيَ كذلكَ فهمٌ منْ فهومِ السلامِ عندَ مَنْ يَرَوْنَ أنفسَهمْ حُماةَ السلامِ .. وتعني كذلكَ فَرْضَ القوّةِ وإشعارُ الأطرافِ الأخرى بعدمِ قدرتها على التحدِّي.

بلْ قدْ تعني هذهِ الغطرسةُ الأخيرةُ أَبْعدَ منْ ذلكَ، فقدْ تكونُ رسالةً موجَّهةً .. وقدْ تكونُ مؤشِّرًا لعدوانٍ أوسعَ.

عبادَ اللهِ: ومهما عنتْه هذهِ الحركاتُ والاستفزازاتُ والقتلُ والتدميرُ فإنَّ الناتجَ لها سلبيٌّ، ولعلَّ أكثرَ المتضرِّرينَ منها همُ المُشعِلونَ لفتيلِها.

نعمْ إنَّ الضغطَ يولِّدُ الانفجارَ .. والتحدِّيَ يخلُقُ تحدِّيًا آخرَ، والضعيفَ إذا حوصرَ وضيِّقتْ عليهِ المسالكُ قد يتقوَّى؛ لأنهُ لمْ يبقَ لهُ شيءٌ يَخشى على فواتِه، وبالتالي فسيُجازفُ بأغلى ما يَملكُ، وبكلِّ حالٍ سيتضرَّرُ الطرفُ الآخرُ.

والقويُّ إذا لم يُحسنِ استثمارِ قوّتِهِ وضبْطَ قدراتهِ؛ عادتْ هذهِ القوةُ وبالًا عليهِ، ومِنْ سننِ اللهِ في كَوْنهِ أنَّ الظُّلْمُ إذا بلغَ حدَّه تهدَّمتْ عروشُ الظالمينَ، وكانتْ تلكَ بدايةَ النهايةِ لهم، وفي كتابِ اللهِ العزيز تصديقُ ذلكَ، مثلُ قولِهِ تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} (١).

قولِهِ تعالى: {فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} (٢).


(١) سورة القصص، الآية: ٥٨.
(٢) سورة الحج، الآية: ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>