أيُّها المسلمونَ: وحينَ نُقلِّبُ صفحاتِ التاريخِ نجدُ أنَّ الحضاراتِ الماديةَ البعيدةَ عنْ هَدْيِ السماءِ - قديمًا أوْ حديثًا - لمْ تستطعْ أن توفِّرَ ما يتطلبُه الإنسانُ منْ أمنٍ ورخاءٍ وطمأنينةٍ وسعادةٍ، بلْ يعيشُ الناسُ في ظلِّها في بؤسٍ وشقاءٍ، وظُلْمٍ وجَوْرٍ .. تتقلَّبُ فيها فئةٌ قليلةٌ منَ الناسِ بأنواعِ النعيمِ والملذاتِ .. ولتشقى شعوبٌ بأكملِها وأفرادٌ كثيرةٌ أخرى.
أجلْ إنَّ حضارةَ الرُّومِ وحضارةَ الفُرْسِ هما الحضارتانِ اللتانِ كانتا تَسُودانِ العالمَ قبلَ بعثةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وحينَ بلغتا منَ الفسادِ والشرورِ والظُّلْمِ والطغيانِ مبلغَهما جاءتْ رسالةُ الإسلامِ مخلِّصةً للعالَمِ منْ نَكَدِهما وشرورِهما .. وكانتْ نهايتُهما على أيدي المسلمينَ، فكانَ المسلمونَ وكانتِ الحضارةُ الإسلاميةُ هيَ البديلَ الصالحَ الذي وفَّرَ السعادةَ والطمأنينةَ والرحمةَ والعدلَ في الكونِ، ليسَ فقطْ لمنْ يَدِينونَ بالإسلامِ بلْ ولغيرِ المسلمينَ منْ أهلِ الذمَّةِ الذينَ بدأُوا يَدخلونَ في الإسلامِ تباعًا على أثرِ رؤيتِهمْ لعدالةِ الإسلامِ ورحمةِ المسلمينَ.
ومَنْ هؤلاءِ المسلمونَ الذينَ وفَّروا السعادةَ والعدلَ والطمأنينةَ للناسِ؟ أكانوا ملائكةً منَ السماءِ .. أمْ كانوا بشرًا منْ غيرِ طينةِ البشرِ؟ .. كلا، إنهمْ بشرٌ لكنَّهمُ اتَّصَلوا بالسماءِ، واهتدَوْا بالقرآنِ، وتربَّوا في مدرسةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فكانَ تفوُّقُهمْ وكانَ عدلُهمْ .. باختصارٍ: الدينُ الحقُّ غيَّرَ حياتَهمْ وأشعرَهمْ بمسؤوليتهمْ في هذا الكونِ .. وإلا فقدْ كانوا قبلَ الإسلامِ أسوأَ منْ غيرِهمْ: حياتُهمْ قائمةٌ على الحروبِ والمنازعاتِ ولأتْفَهِ الأسبابِ .. والظُّلمُ يعتبرونَهُ منْ شِيَمِ النفوسِ .. والضعيفُ في نظرِهمْ هُوَ الذي لا يستطيعُ أن يَظلِمَ، ومنْ حروبِهمُ التي وَعاها محمدٌ صلى الله عليه وسلم قبلَ بعثتهِ (حربُ الفِجَارِ) وتلكَ لها منِ اسمها نصيبٌ، فقدْ كانتْ حربًا فاجرةً ظالمةً، وبها استحلَّ المحارِبونَ المحارِمَ بينهمْ، ولذا فإنَّ الذينَ قالوا بعدمِ مشاركة الرسولِ صلى الله عليه وسلم فيها -منْ أهلِ السِّيَرِ- علَّلوا عَدَمَ مشاركتهِ بأنها كانتْ