وهل سمعتُم بحديثِ البطاقة وما فيه من عَظَمةِ الذِّكر وعدلِ ربِّ العالمين، فقد روى الترمذيُّ وحسَّنه والنَّسَائيُّ والحاكمُ وصححه ووافقه الذهبيُّ مرفوعًا:«يُصَاحُ برجلٍ من أمتي على رؤوسِ الخلائقِ يومَ القيامة فيُنشَرُ له تسعةٌ وتسعون سجلًا، كلّ سِجِلٍّ فيها مدَّ البصرِ، ثم يقال: أتُنكِر من هذا شيئًا؟ أظلمَك كَتَبَتي الحافظون؟ فيقول: لا ياربِّ، فيقال: أفَلكَ عُذرٌ أو حسنةٌ؟ فيهابُ الرجلُ فيقول: لا، فيقال: بلى، إنَّ لكَ عندنا حسنةً وإنه لا ظلمَ عليك اليومَ فيُخرَجُ له بطاقةٌ فيها: أشهدُ أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبدُه ورسولُه، فيقول: يا ربِّ، ما هذه البطاقةُ مع هذِه السِّجِلاتِ؟ فيقال: إنك لا تُظلَمُ، فتوضَعُ السجلاتُ في كفَّةٍ والبطاقة في كفةٍ فطاشت السجلاتُ وثَقُلَت البطاقةُ».
قال ابنُ القيِّم رحمه الله: فالأعمالُ لا تتفاضلُ بصُوَرِها وعددِها، وإنما تتفاضلُ بتفاضلِ ما في القلوب، فتكون صورةُ العملينِ واحدةً وبينهما من التفاضل كما بينَ السماءِ والأرض (١).
ألا فاستحضِروا عَظَمَة الله حين تذكرونه، وأحْيُوا قلوبَكم بذِكْره، وإياكم وترانيمَ الأَذكارِ البِدْعيةَ، دون وعيٍ لما يقال، ولا تأثُّرٍ بالأذكار كما يفعلُ المتصوِّفة.
يا أخا الإسلام: عوِّد نفسَك على ذِكْر الله ذكرًا كثيرًا، وذكِّرْ به مَن حولَك فالذِّكرى تنفعُ المؤمنين، وإياكَ أن تكونَ في عِدادِ الموتى وأنت بَعدُ على قيدِ الحياة، فالفرقُ بينَ من يَذكُرُ اللهَ ومن لا يذكرُ الله كالفرقِ بين الحيِّ والميتِ، والناصحون يقولون لك: عُدْ إلى حديثِ الأذكارِ وتأمَّلْ فضلَها واحفظْ واعملْ بها تيسَّرَ لك منها وستجدُ الطمأنينةَ والسعادةَ والحفظَ والعونَ في الدنيا ..