فالمريضُ يجدُ في القرآنِ شفاءَه، والخائفُ المضطرِب يجدُ في آياتِه ما يطمئنُه ويسلِّيه، والضعيفُ يقفُ في القرآن على ما يقوِّيهِ ويشدُّ من أَزْرِه، والقويُّ المستكبِرُ يجدُ في القرآنِ ما يطأطئ من كبريائِهِ، والظالمُ يضعُ القرآنُ حدًّا لظلمِه .. وهكذا.
وفي سُنن الله الدارجةِ في الكون تأكيدٌ على حقائقِ القرآنِ وشاهدٌ عليها، وتأكيدٌ كذلك على أن الضعيفَ يَقْوى إذا احتمى باللهِ وتوكَّلَ عليه والتزم شرعَه، وهو ما يُسمَّى بـ (قوة الضَّعف).
والقويُّ يَضعفُ إذا طغى وتجبَّر وظنَّ أن القوةَ قوتُه، وأن الكيدَ كيدُه، ولربما زادَ في الطغيانِ فقال:«أنا ربُّكم الأعلى».
وفي رحلةٍ مع شيءٍ من قَصَص القرآنِ دَعُونا نقرأْ نماذجَ لهذا وذاك، فأهلُ سبإٍ طَغَوْا وتجبَّروا وأعرضوا بعد أن مَكَّن اللهُ لهم ووهبهم من الرزقِ ما وهبهم وكان في جنتَيهِم آيةٌ .. فماذا كانت نتيجةُ طغيانِهم وإعراضِهم؟ قال تعالى: {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (١٦) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} (١).
وتأمَّلوا كيف تمَّ التدميرُ بالماء .. وهو في العادة مصدرُ نَماءٍ وحياةٍ، فعاد بقُدْرةِ الله وسيلةَ تدميرٍ وإهلاك؟
أيها المسلمون: وتأمَّلوا طائفةً من الأقوامِ والأممِ يَعرِضُ لها القرآنُ مشيرًا إلى طغيانِها وتمرُّدِها، وكيف صدُّوا عن السبيلِ وكانوا مستبصِرين، وكيف مُكِّن لهم في الأرضِ فما استقاموا على منهجِ الله - وفي النهايةِ وحين بلغ الطغيانُ والجحودُ مبلغَه كانت النهايةُ المؤسفةُ {وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ