للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُمةَ الإسلام: لا تخافوا البغيَ في الأرض، حين ترتبطوا بخالقِ الأرضِ والسماء، ولا تخافوا الضَّيعةَ من قُوى الأرض، فمِن فوقِها قوةُ السماء، ومهما بلغتْ قوةُ البشرِ فثِقُوا أن القوةَ لله جميعًا، وإذا توكَّلتم على اللهِ حقّ توكُّلِه فلن يستطيعَ أحدٌ أن يَكيدَكم، ولقد تحدَّى فردٌ أُمةً من الناس -لكنه كان مؤمنًا وهم مشركون، ونجح المتحدِّي وأبلَسَ المجرمون {قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (٥٥) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (١).

إخوةَ الإسلام: وعلى مشارفِ ولادةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم هدَّد الأحباشُ النصارى العربَ بل أَتَبعوا التهديدَ بالغزو، وجاء أصحابُ الفيلِ ليهدِموا البيتَ الحرامَ ويُزِيلوه من الوجود، ويحوِّلوا الحجاجَ والمعتمرين إلى كنيسة القُلَّيس (٢)، وما كان للعربِ كافةً ولأهل مكةَ خاصةً قِبَلٌ بهذا الجيشِ العَرَمْرَمِ، وما كان أهلُ مكةَ حينها مسلمين، بل كانوا وثنيِّين ولكن الله وحدَه تولَّى الدفاعَ عن بيتِه والدفاعَ عن أُمةٍ قدَّر وقضى أن يبعثَ من رَحِمِها رحمةً للعالمين.

وانتهى الظلمُ على أعتابِ مكةَ وردَّ اللهُ الظالمينَ وجعل كيدَهم في تضليل، وأرسل الله عليهم جندًا من جندِه - وللهِ جنودُ السماواتِ والأرض، وما يعلمُ جنودَ ربِّك إلا هو - فعادوا يجرُّون ذيولَ الهزيمةِ وجعل الله من حَدَثِهم عِظَةً وذِكْرى تُتلى في كتاب الله إلى قيامِ الساعة.

إخوةَ الإيمان: وفي غُضونِ هذه الحادثةِ وُلِدَ محمدٌ صلى الله عليه وسلم يتيمًا عائلًا فخَلَقَ له ربُّه من الضعفِ قوةً، ومن القِلَّة كثرةً، ومن الفقرِ غنىً {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى


(١) سورة هود، الآيات: ٥٤ - ٥٦.
(٢) سمَّتها العرب بذلك لارتفاعها، لأن الناظر إليها تكاد تسقط قلنسوته عن رأسه من ارتفاع بنائها. تفسير ابن كثير عند سورة الفيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>