للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذو القرنينِ في أَوْجِ قوتِه لا يتجبَّرُ ولا يستكبرُ بل ينسبُ القوةَ العُظْمى لخالِقه، ويعترفُ بأن تمكينه على هذه المقدَّراتِ من لَدُنِ العزيزِ الحميد {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} (١).

وحين أقامَ السدَّ شامخًا لم ينسَ أن يَنسُبَه لله الواحدِ القهّارِ، ولم يتعاظَمْ في نفسه تعاظمَ البنّاءِ، بل اعترف بأنه رحمةٌ من اللهِ وهو القادرُ على جعلِه دكَّاء إذا شاء {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَ‍قًّا} (٢).

إخوةَ الإيمان: وكذلك تكون دعائمُ التمكينِ الحقِّ في الأرض .. قوةً وتخطيطًا، تأخذُ بكلِّ أسبابِ القوةِ المادية الممكِنةِ شرعًا وعقلًا، وتوكلًا على الله وإيمانًا بقدرتِه، تنفي الغرورَ بالنفسِ وتعظيمَ الذات ولا تنسى مَن خلقَ الأسبابَ وقدَّرها، وسياسةً حازمةً عادلةً مع خلقِ الله تَسُوسُهم بشرعِ الله تكافئُ المحسنَ، وتأخذُ على أيدي السَّفيه، وتمنعُ الظلمَ وتقيمُ دعائمَ الحق ولا تدعُ الضعفاءَ نهبًا للأقوياء، ولا تجعلُ من الناس سادةً أو عبيدًا أرقَّاءَ؟

أُمةَ القرآن: ومِن ذي القرنينِ إلى سليمانَ عليه السلام وكلاهما في عِدادِ ملوكِ الأرض الأربعةِ -كما يقالا- ونبيُّ الله سليمانُ عليه السلام دعا ربَّه مُلكًا لا ينبغي لأحدٍ من بعدِه، فكانت الإجابةُ {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (٣٦) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} (٣) وفوقَ ذلك: {وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ} (٤)، أي: سخَّرَ الله له عينَ النُّحاس ليستخرجَ منها ما شاء (٥)، بل قال له


(١) سورة الكهف، الآية: ٩٥.
(٢) سورة الكهف، الآية: ٩٨.
(٣) سورة ص، الآيات: ٣٦ - ٣٨.
(٤) سورة سبأ، الآية: ١٢.
(٥) السعدي، ٦/ ٢٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>