للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ربه: هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب.

نعم لقد حُشِرَ لسليمانَ جنودُه من الجنِّ والإنسِ والطيرِ فهم يُوزَعون، واستسلمتْ ملكةُ سبأٍ لسليمانَ وهي التي أُوتيَتْ من كل شيءٍ ولها عرشٌ عظيم، ولكن كان مُلْكُ سليمانَ -وقَبْله النبوةُ- نعمةً ورحمةً للعالَمين بإنسِهم وجِنِّهم، برجالِهم ونسائِهم، بأقويائِهم وضعفائهم، فملكةُ سبأ تتحوَّلُ من الكفر إلى الإيمان، وتعترفُ بالظلم وتُسلِمُ لربِّ العالمينَ {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (١).

والجنُّ تُسلِمُ قِيادَها لسليمانَ عليه السلام فيُسخِّرُ قوّتَها في بناء المحاريبِ والتماثيل والجِفَانِ والقُدورِ الراسياتِ - وهذه الآليّاتُ كلُّها تُستخدمَ للخيرِ والجهاد وإطعامِ الطعام، ومَن تمرَّد من الجنِّ وعصى يُوثَقون في الأغلالِ والأكبال.

وأبطلَ اللهُ مكرَ الشياطينِ ودعواهم على الإنسِ بعِلْم الغيب، فسليمانُ الذي قهَرَهم واستخدمَهم يموتُ حين يموتُ وهم ماضُونَ في العمل وهم يظنُّونه على قيدِ الحياة، وما دلَّهم على موتِه إلا دابةُ الأرضِ تأكلُ مِنسأتَه (أي: عصاه التي يتكئُ عليها).

نعم إخوةَ الإيمانِ: إن سليمانَ عليه السلام لم ينسَ شكرَ الله حيثُ أَنعمَ عليه وأمدَّه بهذه القُوى والمَقدِرات {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} (٢).

وأثنى ربُّه عليه وعلى أبيه داودَ عليهما السلام بالشكرِ فقال: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا


(١) سورة النمل، الآية: ٤٤.
(٢) سورة النمل، الآية: ٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>