وما كان لعمرَ -رضي الله عنه- أن يستصرخَ الناسَ ويقعدَ بنفسِه عن العمل، وهذا أبو هريرة -رضي الله عنه- شاهدُ عِيانٍ لمشاركةِ عمرَ في الإغاثة إذ يقول: لقد رأيتُه -عامَ المجاعةِ- وإنَّه ليحمِلُ على ظهرِه جِرابينَ وعُكَّةَ زيتٍ في يدِه.
بل زاد الفاروقُ من اهتمامِه بالمحتاجين فلم يكتفِ بحملِ الطعامِ وصُنعِه لهم، بل رأى من واجبِه أن يرى الفَرْحةَ تَغمُرُ أطفالَهم بعد أن خيَّمَ الحزنُ عليهم وأقَضَّ البكاءُ مضاجعَهم.
ودونَكم هذه الروايةَ -عند الطبريِّ- يرويها زيدُ بن أسلمَ عن أبيه ويقول: خرجتُ مع عمرَ بنِ الخطاب -رضي الله عنه- إلى حَرَّةِ واقمٍ، حتى إذا كنا بِصِرَار، إذا نارٌ تُؤرَى. فقال: يا أسلمُ، إني أرى هؤلاءِ ركبًا قَصَّر بهم الليلُ والبردُ، انطلِقْ بنا، فخرجْنا نهروِلُ حتى دنونا منهم، فإذا امرأةٌ معها صِبيانٌ لها، وقِدْرٌ منصوبةٌ على النار، وصبيانُها يتضاغَوْنَ، فسلَّمَ واستأذن وسأل: ما بالُكم؟ قالت: قَصَّر بنا الليلُ والبرد، قال: فما بالُ هؤلاءِ الصبيةِ يتضاغَوْنَ؟ قالت: الجوع، قال: وأيُّ شيءٍ في هذه القِدْر؟ قالت: ماءٌ أُسكِّتهم به حتى يناموا، اللهُ بيننَا وبينَ عمر، قال: أيْ رحمَكِ اللهُ، ما يُدرى عمرُ بكم؟ ! قالت: يتولَّى أمرَنا ويَغفُلُ عنا، قال أسلمُ: فأقبل عليَّ عمرُ وقال: انطلقْ بنا، فخرجنا نهرولُ حتى أتينا دارَ الدَّقيقِ، فأخرج منه طعامًا وقال: احمِلْه عليَّ، فقال أسلمُ: أنا أحملُه عنك، فردَّ عمرُ: بل احمِلْه عليَّ، فلما كرَّر عليه أسلمُ القولَ غضب عمرُ وقال: أنت تحملُ عني وِزْري يومَ القيامة لا أمَّ لك، فحمله عليه، ثم انطلقا حتى وصلا المرأةَ
(١) السابق ٢/ ٢٤٣، د. عبد العزيز العمري: تأمين الأقوات في عصر الخلافة الراشدة/ ٣٦.