للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويتفاخرون بالانتصارِ على الضعفاء؟

وفي القرآنِ الكريم من مثلِ قِصَّة إحراقِ الخليل عليه السلام، وتقطيعِ الأيدي والأرجلِ من خلافٍ والصَّلْب في جُذوعِ النخل حتى الممات لسحرة فرعون .. وإحراقِ أصحابِ الأخدود .. في مثلِ هذه القصصِ نماذجُ لمفهوم النصرِ وحقيقةِ الهزيمة.

كيف لا وقد جاءَ في سياقِ هذه القصص: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (٦٨) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (٦٩) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} (١).

وعن سَحَرةِ فرعونَ خلَّدَ القرآنُ ثباتَهم وتحدِّيَهم لفرعونَ وصراحتَهم بالإيمان وكشفَهم لمفهوم الحياة الحقَّةِ حين قالوا: {لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٧٢) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} (٢).

وهكذا انقلب السحرُ على الساحر، وأصبح فرعونُ لا يواجهُ موسى والمؤمنين معه بل يُبتلَى بثُلَّةٍ من أصحابه، ويُصاب بنفورٍ وانشقاقٍ من أقربِ الناس إليه، وكانت تلك بدايةَ النهايةِ لفرعونَ وجنودِه!

أما أصحابُ الأخدودِ فيكفيهم فخرًا وحسبُهم نصرًا أنهم يُساقَوْن إلى الموتِ وتُخَدّ لهم الأخاديدُ وهم ثَابتون على الإيمانِ بالله متحدُّون للجَبَروت والكبرياء، وحين تقاعست امرأةٌ تحملُ صبيًا لها وتردَّدتْ في دخولِ النار .. أنطقَ اللهُ الغلامَ بالحقِّ وليكونَ شاهدًا على مفهومِ النصر: «يا أمَّهْ اصبِري فإنكِ على الحقِّ» (٣).


(١) سورة الأنبياء، الآيات: ٦٨ - ٧٠.
(٢) سورة طه، الآيتان: ٧٢، ٧٣.
(٣) رواه مسلم، الزهد .. قصة أصحاب الأخدود/ ح ٢٠٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>