للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتأمَّلوا كيف جاء التعليقُ في القرآن على أصحابِ الأُخدودِ ومَن فتنَهم بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} (١) هذا عن الفئةِ الأولى - ثم قال عن المؤمنين: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} (٢).

فهذا مفهومُ الفوزِ في القرآن .. وتلك حقيقةُ النصرِ والهزيمةِ عندَ أهل الإسلامِ والقرآن.

عبادَ الله: إن الابتلاءَ للناس سُنَّةٌ ربانية ماضيةٌ متجدِّدة، والحكمةُ منها كما قال ربُّنا: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (٣).

إنَّ من الناس من يَفزَعُ للأحداثِ الكبيرة فزعًا يُفقِدُه صوابَه، وربما أحبطَ نفسَه وأَساء الظنَّ بربِّه ودينِه، فظنَّ أنَّ في تكالُبِ الأعداء على المسلمين وتهديدِهم لبعضِهم وقتلِهم للبعضِ الآخر نهايةً للإسلام وتصفيةً للمسلمين، فينزوي على نفسِه، وأنَّى لمثلِ هذا أن يقومَ بدعوةٍ أو يأمرَ بمعروفٍ أو ينهى عن منكر .. وهو أحوجُ إلى أن يُدعَى ويُؤمرَ ويُنهَى.

ومن الناس من هو على الضدِّ إذ قد يبلُغُ به الحماسُ غيرُ المنضبطِ إلى التسرُّعِ والتصرُّف فيما لا يَسُوغ ولا يجوز سواءٌ بالقول أم بالفعل، وسواءٌ كان حماسُه لهذا العمل أو ذاك، وخسارةٌ فادحة حين ترتدُّ السهامُ على النحورِ، وفتنةٌ عظمى حين يقعُ القتالُ بين فئاتِ المسلمين فتتمزَّقُ أوصالُ الأُمة ويذهبُ ريحُ


(١) سورة البروج، الآية: ١٠.
(٢) سورة البروج، الآية: ١١.
(٣) سورة العنكبوت، الآية: ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>