للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان القتلُ، وكان الخوفُ والقلقُ .. ولكنَّ العلماءَ الصادقين المجاهدين اعتبروا هذه المحنةَ مِنحةً ربانيةً تستوجبُ الشكرَ لله عليها.

وقال شيخ الإسلام ابنُ تيميّة - رحمه الله - مخاطبًا جمهورَ المسلمين: «واعلموا - أصلحكم الله - أن من أعظمِ النعمِ على من أراد اللهُ به خيرًا أن أحياه إلى هذا الوقتِ الذي يُجدِّدُ اللهُ فيه الدينَ، ويُحيي فيه شعارَ المسلمين، وأحوالَ المؤمنين والمجاهدين، حتى يكونَ شبيهًا بالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصارِ، فمَن قام في هذا الوقتِ بذلك كان من التابعين لهم بإحسانٍ، الذين رضيَ اللهُ عنهم ورَضُوا عنه، وأعدَّ لهم جناتٍ تجري من تحتِها الأنهارُ ذلك الفوزُ العظيم، فينبغي للمؤمنين أن يشكروا اللهَ تعالى على هذه المحنةِ التي حقيقتُها مِنحةٌ كريمةٌ من الله، وهذه الفتنةِ التي في باطنها نعمةٌ جسيمةٌ .. » (١).

وتحدَّث شيخُ الإسلام - رحمه الله - عن أصنافٍ من الناس في فتنةِ التتار وهجومِهم على العالم الإسلامي - حتى بلغوا الشامَ - فقال:

((فهذه الفتنةُ قد تفرَّقَ الناسُ فيها ثلاثَ فرقٍ: الطائفة المنصورة وهم المجاهدون لهؤلاءِ القومِ المُفسِدين، والطائفة المخالفة وهم هؤلاء القومُ (يعني التترَ) ومَن تحيّزَ إليهم من حُثالةِ المنتسبين إلى الإسلام، والطائفة المُخذِّلة وهم القاعدون عن جهادِهم، وإن كانوا صحيحي الإسلامِ، فلينظر الرجلُ أيكونُ من الطائفة المنصورة أم من الخاذلة أم من المخالفة، فما بقيَ قسمٌ رابع)) (٢).

يا أخا الإيمان: وإذا وقعتِ الفتنُ وأنت حيٌّ فانظُرْ موقعَك فيها، وجرِّدْ نفسَك من الهوى ومن حبِّ الدنيا، وامتحِنْ خَشْيتَك وخوفَك أتكونُ لله وحدَه أم يدخلُ في ذلك الشركاءُ؟


(١) الفتاوى ٢٨/ ٤٢٠، ٤٢١.
(٢) الفتاوى ٢٨/ ٤١٦، ٤١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>