للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن من الناس من تمرُّ الفتنُ والنوازلُ بإخوانِه المسلمين ولا تحرِّكُ فيه ساكنًا، بل وكأنها لا تعنيهِ بشيء .. إنه باردُ الإحساس مُعطَّل القُوى، لا يُسخِطُه ما يُسخِطُ اللهَ، إن ذلك نوعٌ من الغفلةِ والإعراض عن الله كما قال أبو عبد الرحمن العمري: ((إنَّ من غفلتِك وإعراضِك عن الله أن ترى ما يُسخِطُه فتجاوِزُه، ولا تأمرُ ولا تنهى خوفًا ممن لا يملِكُ ضُرًّا ولا نفعًا)) (١).

وكم هي بليةٌ في الدِّين حين يرى المسلمُ مُنكَرًا ظاهرًا ولا يتمعَّرُ وجهُه لوقوعِه، بل يكون سلبيًا في التعاملِ معه، أو يرى معروفًا ثم لا يَفرَحُ به ولا يشاركُ في وجودِه ونشرِه .. وأولئك الصنفُ من الناسِ قال عنهم ابنُ القيمِ - رحمه الله -: ((وأيُّ دينٍ وأيُّ خيرٍ فيمن يَرَى محارمَ اللهِ تُنتهَكُ وحدودَه تُضيَّع، ودينُه يُترَك، وسُنةُ رسولِه صلى الله عليه وسلم يُرغَبُ عنها، وهو باردُ القلبِ ساكتُ اللسن، شيطانٌ أخرسُ، كما أن المتكلمَ بالباطل شيطانٌ ناطق، وهل بليةُ الدينِ إلا من هؤلاءِ الذين إذا سَلِمَت لهم مآكلُهم ورياستُهم فلا مبالاةَ بما جَرَى على الدِّين، وخيارُهُم المتحزِّنُ المُتلمِّظ، ولو نُوزِعَ في بعضِ ما فيه غضاضةٌ عليه في جاهِه أو مالِه لبذلَ وتبذَّلَ وجَدّ واجتهد، واستعمل مراتبَ الإنكارِ الثلاثةَ بحسب وُسْعِه، وهؤلاء مع سقوطِهم من عينِ الله ومَقْتِه لهم قد بُلُوا في الدنيا بأعظمِ بلِيّةٍ تكون وهم لا يشعرون، وهو موتُ القلب، فإنَّ القلبَ كلما كانت حياتُه أتمَّ كان غضبُه للهِ ورسولِه أقوى، وانتصارُه للدِّين أكملَ)) (٢).

يا أخا الإسلام: ومن الإمام ابنِ القيِّم - رحمه الله - إلى الإمام محمدِ بن عبد الوهاب - رحمه الله - .. حيث يُجمِعُ هؤلاءِ على ضرورةِ الانتصارِ للدين وحمايةِ الحُرُماتِ والقيامِ بواجب الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكَر، ويقول الشيخ حمدُ بن عتيق - رحمه الله -:


(١) صفة الصفوة ٢/ ١٨١.
(٢) أعلام الموقعين ٢/ ١٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>