للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلو قُدِّر أن رجلًا يصومُ النهارَ ويقومُ الليلَ ويزهدُ في الدنيا كلِّها، وهو مع ذلك لا يغضبُ ولا يتمعَّرُ وجهُه ولا يحمرُّ لله، فلا يأمرُ بمعروفٍ ولا ينهى عن منكرٍ، فهذا الرجلُ من أبغضِ الناسِ عند اللهِ وأقلِّهم دِينًا .. إلى قوله: وقد حدَّثني من لا أتَّهِمُ عن الشيخ محمدِ بنِ عبدِ الوهاب - رحمه الله تعالى - أنه قال مرةً: أرى أُناسًا يجلسون في المسجدِ على مصاحفِهم يقرؤون ويَبكُون، فإذا رأوا المعروفَ لم يأمُروا به، وإذا رأوا المنكرَ لم يَنهَوْا عنه، وأرى أناسًا يَعكُفون عندهم يقولون: هؤلاء لِحى غوانمُ، وأنا أقول: إنهم لِحى فواين، فقال السامع: أنا لا أقدرُ أقول: إنهم لِحى فواينُ، فقال الشيخ: إنهم من العُمْي البكْم (١).

معاشرَ المسلمين: إنها خيريّةُ هذه الأُمةِ في قائمةِ شروطِها الأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكَر .. والغضبُ لله والانتصارُ لدينهِ .. تُرى أتكفي العُزلةُ والتعبُّدُ بعيدًا عن المجاهدةِ والأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر؟ إليكم هديَ واحدٍ من صحابةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم لقومٍ اعتزلوا يتعبَّدون، فقد أخرج البغويُّ في (شرح السُّنة ١٠/ ٥٤، ٥٥) عن الشَّعْبي قال: ((خرج ناسٌ من أهلِ الكوفة إلى الجَبَّانةِ (٢) يتعبَّدون، واتَّخَذُوا مسجدًا وبنَوْا بنيانًا، فأتاهم عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ فقالوا: مرحبًا بكَ يا أبا عبد الرحمن، لقد سرَّنا أن تزورَنا، قال: ما أتيتُكم زائرًا، ولستُ بالذي أَتركُ حتى يُهدَمَ مسجدُ الجَبَّان، إنكم لأهدى من أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ! أرأيتُم لو أن الناسَ صنعوا كما صنعتُم، مَن كان يُجاهدُ العدوَّ، ومَن كان يأمرُ بالمعروف وينهى عن المنكرِ، ومن كان يُقيم الحدودَ؟ ارجِعُوا فتعلَّموا ممَّن هو


(١) الدرر السنية ٨/ ٧٨.
(٢) الجبّانة: الصحراء.

<<  <  ج: ص:  >  >>