للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبكل حال فقراءة التاريخ يزود القارئ برصيد كبير من التجارب، ويضيف إلى معارفه عددًا من المعارف إن شاء في دنياه وإن شاء في دنياه وأخراه. وهذا هو المهم فالإنسان في هذه الحياة يحتاج إلى من يدفع مسيرته إلى الله، ويحتاج إلى نماذج عملية شقت طريقها في الحياة، ورسمت له معالم الطريق علمًا وعملاً، وجهادًا وتربية، وإخلاصًا ومتابعة، وبذلك تقطع وساوس الشيطان، ويتخلص الفرد من ضعف الهمة والتردد في عمل الخير، ويضمر شعوره بالوحدة في الميدان.

وإذا كنت أسلفت الحديث عن صلاح الدين الأيوبي وجهاده يرحمه الله، فحديث اليوم عن نموذج آخر لا يقل عن صلاح الدين، بل ربما فاقه في بعض الجوانب، على الرغم من جهل بعض المسلمين بسيرته، وعدم وضوح جوانب من شخصيته عند آخرين. إنه الملك العادل ليث الإسلام نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي، ترتبط أسرته بدولة السلاجقة العظام، فهو من نسل الأتابكة لهذه الدولة السلجوقية، وتعني كلمة الأتابكة: مربي الأمير، وكان السلاجقة يعهدون بتربية أبنائهم إلى المقربين إليهم من الأتراك، الذين ترعرعوا في كنفهم، وإذا عين السلطان أحد أبنائه على مدينة من المدن أو ولاية من الولايات أرسل معه هذا التركي (المربي) ليعاونه في الحكم ويسدي إليه النصح .. وسرعان ما أصبح هؤلاء الأتابك أصحاب النفوذ الفعلي في الولايات التي عهد إليهم بالحكم فيها (١).

ومن هذه السلالة الأتابكية التركية خرج نور الدين محمود ومع أنه لم يكن من أصحاب الملك الأصليين، ولم يك من ذوي النسب المرموقين، فقد فاق غيره من أصحاب النسب والحسب، وحقق لأمة الإسلام وأبناء المسلمين ما تجاوز


(١) انظر تاريخ الإسلامي السياسي .. لحسن إبراهيم حسن ٤/ ٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>