للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خيال الواصفين، وإليك شيئًا من سيرته التي يجتمع فيها العلم والإيمان، ويتوفر فيها الشجاعة والإقدام، وهي نموذج للعبادة والزهد والعدل بين بني الإنسان، وهو من ذوي العفة لليد واللسان، وليس من أرباب شهوات البطن والفرج بلا رادع أو ميزان، كتب في سيرته أهل التاريخ وأصحاب التراجم، لكن ابن الأثير قدم لسيرته بالقول: (وقد طالعت سير الملوك المتقدمين فلم أر فيهم بعد الخلفاء الراشدين وعصر ابن عبد العزيز أحسن من سيرته ولا أكثر تحريًا منه للعدل) (١).

وهذا إن وجد فيه مبالغة من ابن الأثير يرحمه الله- فهو يدلك على قدر هذا الملك وعظيم منزلته وعلو مناقبه.

ثم تحدث عن زهده وعبادته وعلمه فقال: كلام لا يأكل ولا يلبس ولا يتصرف في الذي يخصه إلا من ملك كان له قد اشتراه من سهمه من الغنيمة ومن الأموال المرصدة لمصالح المسلمين، ولقد شكت إليه زوجته من الضائقة فأعطاها ثلاثة دكاكين في حمص كانت له ومنها يحصل له في السنة نحو عشرين دينارًا فلما استقلتها قال: ليس لي إلا هذا، وجميع ما بيدي أنا فيه خازن للمسلمين لا أخونهم ولا أخوض نار جهنم لأجلك. وكان يصلي كثيرًا بالليل وله فيه أوراد حسنة، وكان كما قيل:

جمع الشجاعة والخشوع لربه ... ما أحسن المحراب في المحراب (٢).

وذكر ابن كثير في ترجمته لنور الدين أن الزهد والعفاف بلغ به إلى حد استفتى معه العلماء في مقدار ما يحل له من بيت المال فكان يتناوله ولا يزيد عليه شيئًا ولو مات جوعا (٣).


(١) الكامل في التاريخ ١١/ ٤٠٣.
(٢) الكامل لابن الأثير.
(٣) البداية والنهاية ١٢/ ٢٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>