للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأغربُ من ذلك ما ذكره الذهبيُّ في ((الكاشفِ)) في ترجمةِ زُهَير بن محمدِ بنِ قُمَيْرٍ المَرْوَزي أنه كان يختمُ القرآنَ في رمضان تسعين ختمةً (١).

ولم تكن هذه العنايةُ بالقرآنِ على مستوى العلماءِ والعامَّةِ، بل ذكرَ الخطيبُ في ترجمةِ الخليفةِ العباسيِّ المأمونِ عن ذي الرِّياستَينِ قال: ختمَ المأمونُ في شهرِ رمضان ثلاثًا وثلاثين خِتمةً حتى بُحّ صوتُه، لأنه كان يأخذ القرآنَ على محمدِ بن أبي محمدٍ اليَزِيدي وكان في أذنِه صممٌ، فكان المأمونُ يرفع صوتَه ليسمعَ (٢).

نعم إننا نستغربُ من هذه الحوادثِ وأمثالِها، ويقول قائلُنا: أيمكنُ أن يقعَ هذا؟ وهل يمكنُ لمن قرأَ هذا الكمَّ أن يتدبَّرَ القرآنَ؟

وكلُّنا في المقابلِ لا نستغربُ زهدَنا في القرآن، وقِلَّةَ المقروء عندنا للقرآن، وضآلةَ الوقتِ المخصَّصِ عندنا لتلاوةِ القرآن حتى في شهرِ رمضانَ! !

ولنا أن نتساءلَ: وهل هذه القِلَّةُ المقروءةُ مع تدبُّرٍ للقرآن؟ وهل بسبب التدبُّرِ والوقوفِ عند مواعظِ القرآن كان قلَّةُ مقروئِنا للقرآن، أم أننا أُصِبْنا بقلةِ القراءة للقرآن مع قلَّةِ التدبُّرِ والانتفاعِ بالقرآن! !

إن أسلافَنا كما تفوَّقوا علينا في كثرةِ المقروءِ للقرآن تفوَّقُوا كذلك في الخشوع للقرآن والتأثرِ بالقرآن، فهذا الإمامُ التابعيُّ الثقةُ العابدُ وقاضي البصرةِ زُرَارةُ بن أوفَى العامريُّ الحَرَشي العَصَري أمَّ المسلمين في مسجدِ بني قُشَيرٍ الفجرَ فقرأ سورةَ المدَّثِّر حتى إذا بلغ قولَه تعالى: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} (٣) خرَّ ميتًا، يقول بَهْزُ بنُ حَكِيم - راوي الخبرِ -: فكنتُ فيمن حَمَلَه)) (٤).


(١) انظر: عبد الحميد السجياني: أخبار وحوادث في رمضان/ ٨.
(٢) المرجع السابق/ ٢٧.
(٣) سورة المدثر، الآيتان: ٨، ٩.
(٤) رواه ابن سعد: الطبقات ٧/ ١٥٠، وأبو نعيم في الحلية ٢/ ٢٥٨، والمزي في تهذيب الكمال ٩/ ٣٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>